بقلم: براهمي محمد الصالح
استمع مجلس الوزراء الأخير، والذي انعقد يوم الأحد المنصرم 17 جويلية الجاري، إلى عروض تخص مشروع إنجاز مركب صناعي لإنتاج حليب الأطفال الرُضّع، وعلى إثر العرض المذكور، وجه السيد رئيس الجمهورية الحكومة، بالعمل أولوياعلىتعزيز إنتاج الحليب العادي، والاستعانة بالخبرة الأجنبية المتخصصة، في شكل شراكات لمباشرة إنتاج حليب الأطفال الرُضّع، باعتباره مادة حيوية تحتاج لبيئة مخبرية وصناعية جدّ دقيقة.
في الملف التالي، سنستعرض واقع شعبة الحليب في الجزائر وآفاق تطويرها، خاصة وأن مادة الحليب العادي، وحليب الرضع هي مادة جد حساسة نظرا لإستهلاكيتها الواسعة وأولويتها ضمن العادات الإستهلاكية والغذائية للجزائريين بمختلف شرائحهم.
دعم الدولة لإنتاج الحليب الطازج يتجاوز 18 مليار سنويا
وكان وزير الفلاحة والتنمية الريفية، عبد الحفيظ هني، قد كشف في جلسة للرد على الأسئلة الشفوية بمجلس الأمة عقدت بتاريخ 10 مارس من العام الجاري، أن الدولة تقدم دعما سنويا لإنتاج الحليب الطازج محليا بقيمة تتجاوز 18 مليار دج.
أوضح السيد الوزير أن مبلغ الدعم هذا يتضمن أساسا الاعانات الموجهة لمربي البقر الحلوب (12 دج للتر) وجامعي الحليب (5 دج للتر) والملبنات (4 دج للتر).
إلى ذلك يضاف سلسلة من التحفيزات لفائدة مربي البقر الحلوب من بينها دعم بـ 60 الف دج عن كل ولادة جديدة للبقر الحلوب, مع ضمان تغطية بيطرية وتلقيح مجاني ضد الحمى القلاعية.
كما يعمل قطاع الفلاحة على تعزيز الاستثمارات في شعبة الحليب من خلال توفير العقار الفلاحي وتطوير الانتاج المحلي للأعلاف الموجهة لتغذية الانعام وتربية الابقار.
و تندرج هذه التحفيزات في إطار استراتيجية القطاع التي ترمي إلى النهوض بهذه الشعبة “الاستراتيجية” والتي تتضمن عدة إجراءات من بينها استيراد البقر الحلوب لتشجيع الانتاج المحلي للحليب الطازج وتقليص فاتورة استيراد غبرة الحليب.
وفي هذا الإطار, ذكر الوزير بأن القطاع العمومي يستورد لوحده كمية تقدر ب 180 الف طن في السنة من غبرة الحليب توجه لإنتاج اكياس الحليب التي تباع بسعر مقنن (25 دج) بينما يستورد القطاع الخاص كمية تقدر ب 200 الف طن, توجه لإنتاج حليب العلب الذي يباع بأسعار حرة ومختلف مشتقات الحليب (الجبن واللبن والزبادي…).
و تبلغ فاتورة هذه الواردات أكثر من 800 مليون دولار سنويا, حسب السيد هني.
من جهة أخرى, كشف الوزير أن دائرته الوزارية تعمل على إنشاء خريطة لتوزيع أكياس الحليب المدعم قصد تقليص المسافات وضمان إيصال هذه المادة للجميع.
ويدرس القطاع امكانية إدماج أكبر عدد من الملبنات في هذا المخطط حسب الكميات المتوفرة من المادة الأولية, يضيف السيد هني.
الجزائر بحاجة إلى مليوني رأس من البقر الحلوب لتغطية احتياجاتها من الحليب
تحتاج الجزائر الى مليوني رأس من البقر الحلوب للتمكن من تغطية كامل احتياجاتها من الحليب والتوقف بالتالي عن استيراد هذه المادة الأساسية، حسبما أفاد به رئيس المجلس الوطني المهني المشترك لشعبة الحليب عز الدين تامني.
وأكد السيد تامني خلال المنتدى الجزائري للحليب، الذي نظمته مجموعة التفكير “فلاحة إينوف”، على هامش الطبعة ال20 للمعرض الدولي للزراعة، تربية المواشي والصناعات الزراعية، أن احتياجات الجزائر حاليا تقدر ب 4 مليارات و500 ألف لتر من الحليب سنويا.
ويسمح إنتاج هذه الكمية بالتوقف “كلية” عن استيراد غبرة الحليب، غير أن ذلك يتطلب توفر مليوني رأس بقر حلوب مقابل 908 ألف رأس حاليا، حسب المسؤول.
ويحتاج بدوره توفير مليوني رأس بقر حلوب، إلى أكثر من 200 ألف هكتار من الأراضي المسقية الموجهة لزراعة الأعلاف، يضيف السيد تامني.
ووفقا للأرقام التي عرضها رئيس المجلس المهني، فإن كمية إنتاج حليب البقر الطازج محليا تقدر بـ 2 مليار و500 مليون لتر سنويا، منها 814 مليون لتر يوجه للملبنات وأكثر من 750 مليون لتر توجه للاستهلاك العائلي المباشر بينما توجه باقي الكمية للتحويل المنزلي أو النشاطات الصغيرة غير المصرح بها.
وتبلغ كمية الحليب المنتج محليا من مختلف الأنواع (ماعز، بقر، ابل) 3 مليارات و500 مليون لتر من الحليب سنويا.
ويمكن وفق رئيس المجلس تحسين نسبة مساهمة الحليب الطازج في تغطية الاحتياجات الوطنية اذا ما تم إقرار تخفيضات في الرسوم المطبقة على استيراد المواد الأولية التي تدخل في انتاج الأعلاف.
ويتم إنتاج أعلاف محلية بكل من تيميمون والوادي والمنيعة وأدرار وتقرت وباتنة وقسنطينة وغيرها، حيث يحظى الفلاحون بدعم من السلطات العمومية.
وتوقع المسؤول أن يتم تقليص فاتورة الواردات بنسبة تتعدى 50 بالمائة، بغضون 2025، اذا اعتمدت استراتيجية “فعالة” لتطوير انتاج الحليب الطازج محليا.
وعن العراقيل التي تعترض تطور شعب انتاج الحليب الطازج المحلي، أشار السيد تامني إلى السعر المقنن للحليب المدعم المنتج انطلاقا من الغبرة المستوردة (25 دج) والذي ينافس سعر المنتوج المحلي الذي يتراوح بين 60 الى 80 دج.
وفي هذا الإطار، دعا رئيس المجلس المهني إلى إعادة النظر في سياسة الدعم من خلال توجيهه مباشرة للفئات الهشة، ليباع الحليب بجميع أنواعه بسعره الحقيقي، وهو ما سيمكن المتعاملين من تطوير نشاطاتهم في ظل منافسة عادلة.
من جهة أخرى، لفت السيد تامني إلى وجود صعوبات “كبيرة” في الميدان يواجهها المربون بسبب نقص المواد الأولية الموجهة لصناعة الأعلاف وارتفاع أسعارها في السوق الدولية بالموازاة مع الجفاف المسجل خلال الأشهر الماضية.
وحول النقص الذي تعرفه هذه المادة في الأسواق خلال بعض فترات السنة، اعتبر السيد تامني أن المشكل يكمن في “الاستهلاك المفرط لهذه المادة، وعدم وجود آلية ثابتة لتوزيعها”.
من جهته، قال رئيس جمعية منتجي الحليب، محمود بن شكور فإن هناك ثلاثة عوامل أساسية تتحكم في تطوير شعبة الحليب في الجزائر وهي زراعة الاعلاف، وعصرنة انماط انتاج الحليب وتطوير تربية الأبقار الحلوب، إلى جانب وضع حد لمنافسة غبرة الحليب المستوردة.
وأوضح السيد بن شكور انه لتربية 250 الف راس بقر حلوب، يحتاج المربي الى 5ر2 مليون طن من الاعلاف ومساحة مسقية تقدر ب62 ألف و500 هكتار.
وتتراوح التكلفة الحقيقية لإنتاج الحليب الطازج المحلي بين 55 و65 دج للتر الواحد في فبراير الماضي (دون احتساب دعم الدولة).
وثمن السيد بن شكور قرار منع استيراد غبرة الحليب خارج الديوان الوطني للحليب، مما سمع بتوجه الملبنات نحو المربين.
أما عضو مجموعة التفكير “فلاحة إينوف”، عبد المجيد سوكحال، فقد أكد على أهمية بحث نقاط ضعف هذه الشعبة “الاستراتيجية” قصد معالجتها بشكل مستعجل، لاسيما فيما يتعلق بتعزيز أدوات الانتاج من عقار فلاحي، وأعلاف، ومساحات مسقية، الى جانب التكوين كحلقة “هامة” في دعم قدرات المربين.
الرئيس تبون يأمر برفع هامش ربح منتجي الحليب، والمنتجون يرحبون
أسدى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال ترأسه إجتماع مجلس الوزراء يوم العاشر أفريل المنصرم توجيهات هامة بخصوص توفير مادة الحليب المدعم.
وخلال الإجتماع قرر الرئيس تبون تكفل الدولة بزيادة هامش ربح بواحد دينار في اللتر الواحد من الحليب للمصانع ودينارين للموزعين.
وهو القرار الذي لقي ترحيبا كبيرا من طرف منتجي هذه المادة الحساسة والمتابعين للشأن الفلاحي في الجزائر.
ومن جهته، ثمن رئيس الجمعية الوطنيّة للتجّار والمستثمرين والحرفيّين الحاج الطاهر بولنوار قرار تكفل الدولة بزيادة هامش الربح للمتعاملين في قطاع الحليب من شأنها القضاء على أزمة التوزيع من جهة وزيادة الإنتاج من جهة ثانية.
أرجع بولنوار ندرة الحليب في الفترة الأخيرة إلى تقلص هامش الربح، وشكاوى الموزعين من تقلص عائداتهم، في حين أن القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية بتكفل الدولة بزيادة هامش ربحهم، من شأنه تحقيق نقطتين هي تشجيع المنتجين على زيادة الإنتاج وكذا تنظيم التوزيع، خاصة أن الطلب على الحليب كبير إذ يقارب 5 ملايير لتر سنويا، في حين أن معظم المادة مستوردة، والإنتاج الوطني لا يتجاوز 1-2 مليون لتر في العام.
واعتبر رئيس الجمعية الوطنيّة للتجّار والمستثمرين والحرفيّين في بث مباشر بموقع «فايسبوك»، أن التحدي الراهن يكمن في التفكير جديا في تشجيع إنتاج الحليب في الجزائر لتقليص فاتورة الاستيراد التي تتراوح بين مليار و200 مليون وحتى مليار و500 مليون.
كما ثمنت مديرة التسويق بمجمع الحليب “جيبلي ” العمومي وهيبة ميموني، في تصريح إعلامي قرار رئيس الجمهورية، مضيفة أن تكاليف إنتاج هذه المادة الأساسية عرفت ارتفاعات ملحوظة والتي أدت بدورها إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتوزيع ما تسبب في ظهور تذبذبات في تمويل السوق بالحليب المدعم.
فتح 11 مجمعا لدعم و تطوير شعبة الحليب في آفاق 2024
كشف المدير العام للديوان الوطني المهني للحليب و مشتقاته خالد سوالمية يوم الخميس الفاتح جويلية بالبليدة أن هيئته ستقوم بفتح 11 مجمع دعم و تطوير شعبة الحليب في آفاق 2024 و ذلك في إطار تطوير شعبة الحليب.
وقال السيد سوالمية خلال ندوة صحفية عقدها بمقر الديوان ببوفاريك أن هذا الأخير برمج فتح 11 مجمع لدعم و تطوير شعبة الحليب بهدف تطوير الشعبة و دعم الإنتاج في إطار تطبيق مخطط العمل 2020/ 2024.
و أضاف أن الديوان يحصي تحت وصايته، ثلاثة مجمعات بكل من البليدة و سوق أهراس و غليزان و تم اليوم فتح مجمع رابع في ولاية غرداية.
وقال أن من بين مهام هذه المجمعات، مرافقة و تقديم النصائح للمربين و المستثمرات الفلاحية بهدف تقوية و دعم الإنتاج و التخلي على التبعية في مجال إستيراد هذه المادة و التخلي عن مسحوق الحليب.
مراد ملاح: التجربة الخليجية في إنتاج الحليب نجحت لإعتمادها على نقل التكنولوجيا
كان رئيس الجمهورية قد أكد خلال مجلس الوزراء الأخير على ضرورة الإستفادة من التجارب الأجنبية للدول الصديقة والشقيقة قي المجال.
ومن بين التجارب الأنجح في تحقيق الإكتفاء الذاتي وغزو الأسواق الدولية في مجال إنتاج الحليب، التجربة الخليجية.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي الجزائري المغترب قطر، مراد ملاح، في تصريحات خص بها جريدة “المستثمر” أنه “في الحقيقة ليس ثمة معطى خارق في نجاح التجربة الخليجية في انتاج الحليب ، سوى انها تجربة اعتمدت نقل التكنولوجيا من دول لها سبق وباع في ذات التخصص ، حيث من بين قرابة الخمسين الف موظف بشركة المراعي السعودية يوجد ما لا يقل عن 35 ألف موظف أجنبي.
كما أن، يقول الخبير الاقتصادي، اعتماد السلالات ذات المردودية العالية ومرافقتها ببرنامج تغذية يشرف عليه متخصصون في التغذية الحيوانية ، سمح بتجاوز الظروف المناخية الصحراوية القاسية التي تميز دول الخليج بل سجلت كميات الحليب التي تدرها الابقار يوميا قرابة ضعفي ما تدره في الجزائر.
وواصل ” في الواقع التجربة الخليجية تبنت مقاربة ضمان دورة المشروع الاقتصادية كاملة بدءا من انتاج أجود الأعلاف ، وهنا نقف على ضخامة الاستثمارات الخليجية في هذا الجانب حيث استحدثت شركة “بلدنا” القطرية مثلا مزارع عصرية لهذا الغرض في رومانيا ، فيما استثمرت شركة المراعي في مزارع برسيم متطورة في أريزونا الامريكية بمساحات فاقت الـ 40 كيلومترا مربعا ..”
وبخصوص الواقع الجزائري، وآفاق تطوير صناعة الحليب، قال محدث “المستثمر” “فيما نحن في الجزائر نمتلك مناخا متميزا ومساحات شاسعة لزراعة الأعلاف ، وربما افتقدنا لعقود مضت للإرادة السياسية في هذا الجانب ، لكن المستقرىء للقرارات المتتالية للسيد رئيس الجمهورية توحي قولا واحد أن الرغبة حقيقية في تجاوز عقدة الحليب التي ترافقنا منذ عقود ، ويبقى الرجاء كاملا أن تجد المشاريع المعلن عنها طريقها للتنفيذ بما يخدم المصلحة الوطنية”.
رابط دائم: https://mosta.cc/0cyfr