تصاعد الخلاف حول قطاع الطاقة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بعد حزمة عقوبات جديدة تختلط فيها حسابات الربح والخسارة وفق خبراء ألمان، وذلك في سعي بروكسل لحرمان موسكو من تمويل عدوانها على أوكرانيا.
بعد مفاوضات عسيرة تمكنت قمة لدول الاتحاد الأوروبي من الاتفاق على خفض لوارداتها من النفط الروسي بشكل تدريجي ستصل لتسعين بالمائة إلى حدود نهاية العام الجاري. ويشمل الحظر صادرات روسيا عبر السفن، مع منح إعفاء مؤقّت للنفط المنقول عبر الأنابيب، وذلك بضغط من المجر التي هدّدت باستخدام حق الفيتو ضدّ حزمة العقوبات الأوروبية هذه على موسكو، وهي السادسة من نوعها منذ بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا.
بهذا الصدد كتب موقع “بريسبورتال” معلقا “إن القيود المفروضة على واردات النفط الروسي التي تم تحديدها الآن تضر أكثر مما تنفع في كثير من النواحي. حتى الولايات المتحدة ترفض ذلك، وهناك عدد من دول الاتحاد الأوروبي لديها مخاوف أيضًا. في حين أنه من المحتمل أن تبيع روسيا موادها الخام فقط في أماكن أخرى بأسعار أقل قليلاً. إن المواطنين والشركات في الاتحاد الأوروبي سوف يكتوون بنار ارتفاع الأسعار .. من الضروري وضع استثناءات لدول شرق أوروبا التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الروسية، لكن هذا لا يعني رفع الحظر على الإطلاق.
من جانبها أكدت ألمانيا على لسان المستشار أولاف شولتس ترحيبها بالتسوية التي توصل إليها التكتل الأوروبي بشأن حظر واردات النفط من روسيا. وغرد شولتس على موقع تويتر “الاتحاد الأوروبي متفق… اتفقنا على مزيد من العقوبات الصارمة ضد روسيا”. وذكر شولتس أن الحظر سيؤثر على جزء كبير من واردات النفط الروسية.
من جهته أشار رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل، إلى فرض “أقصى ضغط على روسيا” لإنهاء الحرب ضد أوكرانيا. وأوضح المستشار أن ألمانيا متمسكة بهدفها لأن تصبح مستقلة عن واردات النفط الروسي بحلول نهاية العام الجاري.
وأثار مسؤولون ألمان مخاوف متجددة بشأن تأثيرات سلبية محتملة على شرق ألمانيا، إذ تتلقى مصفاة شفيت في ولاية براندنبورغ شرقي البلاد، والتي يعمل بها أكثر من ألف شخص، النفط الروسي عبر خط أنابيب. والمصفاة مملوك أغلبيتها لشركة ألمانية تابعة لشركة الطاقة الروسية الحكومية “روسنفت”. وأوضح زورين بيلمان، النائب البرلماني عن حزب اليسار في ألمانيا بأنه “يجب ألا يقع سكان شرق ألمانيا ضحايا لسياسة الحظر (..) إذا كانت هناك استثناءات لدول الاتحاد الأوروبي، فيجب أن يكون شرق ألمانيا قادرا على الاستفادة منها”.
وحذر بيلمان من أنه “ما لم يتم منح شرق ألمانيا استثناء، فقد يتراجع اقتصاد شرق البلاد سنوات إلى الوراء”. واقترحت عمدة شفيت، أنكاترين هوبه، المنتمية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، في تصريحات لإذاعة بافاريا بأن تحصل بلدتها على فترة انتقالية أطول قبل أن توقف ألمانيا واردات النفط الروسية عبر خطوط الأنابيب، موضحة أن شفيت ستحتاج في وقت ما لإيجاد إمدادات نفط بديلة.
أوكرانيا ـ ما لا يُدرك جزئه لا يدرك كله؟
سارعت كييف للترحيب بالحظر الجزئي لواردات النفط الروسي مؤكدة أنه سيلحق الضرر بالاقتصاد الروسي ويضعف قدرة موسكو على تمويل الحرب. وقالت الخارجية الأوكرانية في بيان “نتوقع أن تخسر روسيا بحلول نهاية العام ما يصل إلى 90 في المئة من صادراتها النفطية لأوروبا (..) هذا يعني أن الآلة الحربية الروسية لن تحصل على عشرات الملياارت من الدولارات في حربها ضد أوكرانيا”. وقدم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تشكراته للاتحاد الأوروبي، داعيا بروكسل لفرض عقوبات أكثر صرامة على موسكو. “.
الموقف الأمريكي
رحّبت واشنطن بالحظر الأوروبي على واردات النفط الروسي، وقال المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس “نعلم أنّ هناك دعماً واسعاً في صفوف حلفائنا وشركائنا، كما رأينا مرة جديدة من جانب الاتحاد الأوروبي، لتقويض هذا العامل القوي في آلة الحرب الروسية” أي صادرات النفط والغاز. ورحّب برايس كذلك بالجهود التي تبذلها القارة الأوروبية لتنويع مصادر إمداداتها من الطاقة وتطوير موارد الطاقة المتجددة، وذلك لتقليل اعتمادها على موسكو “على المدى الطويل”. واستطرد موضحا “نحن متّحدون في تصميمنا على مواصلة الضغط على الرئيس الروسي فلاديميربوتين وجميع المسؤولين عن هذه الحرب”
موسكو ترد بتخفيضات كبيرة لأسعار نفطها
تزامنا مع فرض الدول الغربية عقوبات على قطاع المحروقات الروسي، اندفعت دول وشركات دولية لشراء الخام الروسي بسبب التخفيضات الكبيرة التي تقدمها موسكو. وبحسب البيانات الصادرة عن وزارة المالية الروسية بلغ متوسط سعر خام “أورالز” الرئيسي الروسي خلال الفترة من منتصف أبريل / إلى منتصف يونيو الحالي 73.24 دولار للبرميل وهو ما يقل بنحو 32% عن متوسط سعر خام برنت القياسي للنفط العالمي. وكالة بلومبرغ للأنباء أوردت أنه رغم كون خام “أورالز ” يباع عادة بسعر أقل من سعر برنت، إلا أن فارق السعرين الآن كبير للغاية، وهو ما يشير إلى أن أكبر ثلاث شركات لإنتاج النفط في روسيا لا تستطيع تحقيق الاستفادة الكاملة من ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية.
ويذكر أن سعر خام برنت خلال الأسبوع الحالي بنسبة 2.5 % ليصل إلى أكثر من 120 دولارا للبرميل وهو أعلى مستوى له منذ شهرين، على خلفية تعافي الطلب الصيني على الطاقة بعد تخفيف القيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، وقرار الاتحاد الأوروبي فرض حظر جزئي على استيراد النفط الخام من روسيا. “.
قرار “أوبك بلس” رفع إنتاج النفط.. خطوة “مرحب بها” ولكن
وافقت الدول الأعضاء في تحالف “أوبك بلس” على رفع إنتاج النفط خلال الصيف المقبل، وسط مخاوف متزايدة من حدوث نقص في الأسواق العالمية إذا وسّع الغرب عقوباته على النفط الروسي، في ظل استمرار الحرب على أوكرانيا.
وأعلن التحالف في بيان، أن ممثلي الدول الثلاث عشرة الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وشركاءهم العشرة (أوبك+) اتفقوا على “تعديل إنتاج يوليو بزيادة 648 ألف برميل يوميا”، مقارنة بـ 432 ألف برميل حددت في الأشهر السابقة.
رغم أهمية الخطوة، أجمع محللون، على أن زيادة الإنتاج التي أُعلنت الخميس، لن يكون لها تأثير كبير على سوق النفط في مجالات العرض والطلب أو على مستوى الأسعار، على اعتبار أن هذه الزيادة لن “تعوض النقص في كميات النفط الروسي” في حال تعرض لحظر غربي موسع.
وأثار إعلان أوبك بلس ارتياح المستثمرين في الأسواق العالمية، إذ ارتفعت أسعار الخام بنسبة طفيفة لتصبح بحدود 116 دولارا للبرميل، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
ورحبت الولايات المتحدة بقرار تحالف “أوبك بلس” لزيادة إمدادات النفط، على ما أفاد بيان للبيت الأبيض، الخميس.
وأشادت بدور السعودية والإمارات والكويت والعراق في تحقيق التوافق في هذا التحالف.
ووصف المحلل عريقات، الزيادة التي أقرتها أوبك بلس، بأنها “طفيفة، وهي تزيد عن 200 ألف برميل يوميا بقليل، ولكنها أكبر من وتيرة الزيادات التي كانت توافق عليها أوبك بلس خلال الفترة الماضية”.
وأضاف عريقات في حديث لموقع “الحرة” أن هذه الزيادة لن تكون قادرة على تلبية احتياجات السوق في حال فُرض حظر موسع على النفط الروسي الذي يزود أوروبا بنحو مليوني برميل يوميا.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنل عن كريستيان مالك، رئيس أبحاث النفط والغاز في “جي بي مورغان”، أن اتفاق التحالف “لن يجلب زيادة كبيرة في إنتاج النفط، أو يخفض الأسعار”.
ووصف زيادة كميات الإنتاج بأنها “تجميلية”، خاصة وأن موافقة الاتحاد الأوروبي على فرض حظر جزئي على مشتريات النفط الروسي، قد يعني خفضا في الإنتاج الروسي وليس زيادتها بحسب اتفاق “أوبك بلس”.
واعتبر المحلل في شركة “أوندا”، جيفري هالي، أن تحالف “أوبك بلس” أعطى “بعض التنازلات للولايات المتحدة وأوروبا” وسط تكهنات حول زيارة محتملة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، وذلك “مع الحفاظ على الوحدة” داخل التحالف
وأضاف لوكالة فرانس برس أنه رغم أن زيادة الخميس أكبر من المتوقع فإنها “لن تخفف بشكل كبير عن سوق تفتقد إلى النفط الروسي”، لاسيما وأن العديد من الدول تواجه أصلا صعوبات لبلوغ حصص الإنتاج.
رابط دائم: https://mosta.cc/9pz99