بقلم حمروني إسماعيل متعامل إقتصادي
أسست الجزائر، منذ الإستقلال، لنموذج اقتصادي مرتكز حول معالجة مشاكل التخلف وتحقيق التنمية الإقتصادية و الاجتماعية، مستغلة من أجل تحقيق ذلك موقعها الإستراتيجي، كبوابة لأفريقيا وقربها من أوروبا، بالإضافة إلى غناها بالثروات والإمكانيات، و الذي جاء في كل من ميثاق طرابلس عام 1962 ثم ميثاق الجزائر عام 1964.
وتجلى هذا التفكير سنة 1966 في ميلاد نموذج جزائري للتنمية ، الذي يعتمد على المخططات المتتالية و إعتماد سياسة إستثمارية متناسقة، كان هدفها وضع جهاز إداري فعال.
أعطى النموذج الإقتصادي المتبع دور مركزي لأجهزة الدولة في تحقيق عملية التنمية، و طرح ضرورة تطوير قطاع صناعي عمومي قوي ، حيث اعتبرت الصناعة الوسيلة الوحيدة التي تضمن إقتصاد مستقل و متكامل وهذا ما تجلى من خلال خطابات الرئيس الراحل هواري بومدين ، و مختلف المواثيق (الميثاق الوطني ، ميثاق الثورة الزراعية … إلخ)، والتي تم عبرها توضيح و شرح و تبرير السياسة الإقتصادية و الإجتماعية للمرحلة 1966 إلى 1978.
منذ حصلت الجزائر على استقلالها انتهجت الأسلوب الاشتراكي في التنمية الإقتصادية و الإجتماعية بإتباعها سياسة مركزية بحتة ، لقد أتاحت الوفرة النفطية خلال السبعينات إمكانيات هائلة في خدمة المشروعات و خطط التنمية المسطرة ، وما كان يميز الإقتصاد الجزائري في تلك السنوات ثلاث أمور رئيسية:
• الاعتماد على سياسة التخطيط المركزي
• تجارة محتكرة من طرف الدولة
• اعتماد كلي على عائدات المحروقات
كما تميز كذلك ببني تحتية ضعيفة و نظام مصرفي هش
في منتصف الثمانينات عاش الإقتصاد الجزائري صدمة كبيرة سببها الانخفاض غير المتوقع لأسعار النفط ، أظهرت للعلن مساوئ التخطيط المركزي ، حيث عانت الجزائر حينها من ركود إقتصادي و فشل في المخططات المنتهجة و عجز في ميزان المدفوعات بالإضافة إلى إرتفاع معدل التضخم إرتفاع حجم البطالة و إرتفاع الديون و معدل خدمتها.
كل هذه الظروف تضافرت لتساعد على تعميق وزيادة الإعتماد على الخارج من أجل الحصول على الاحتياجات الأساسية من السلع و الخدمات ، و بالتالي زيادة التبعية للعالم الخارجي، و هو ما نتج عنه اتخاذ الجزائر عدة تدابير من أجل تحقيق الاستقرار الإقتصادي الكلي و الإصلاحات الهيكلية الضرورية. وتعززت الجهود في تصحيح الإقتصاد الكلي منذ منتصف الثمانينات عندما شرعت الدولة الجزائرية في تنفيذ برنامجين بدعم و تحت إشراف صندوق النقد الدولي بهدف الإنتقالي من الإقتصاد المخطط المركزي إلى إقتصاد السوق ، فكان برنامج الاستقرار من أجل تحقيق التوازن في الإقتصاد الكلي ، و برنامج التصحيح الهيكلي الذي يهدف إلى تحسين كفاءة إستخدام الموارد الإقتصادية و تحقيق زيادة الطاقة الإنتاجية .
بداية عملية الإصلاحات كانت بفصل الخزينة العمومية عن البنك المركزي 1986 ، الذي كان يعمل تحت أمرتها من أجل توفير السيولة اللازمة لتمويل الإقتصاد و المشاريع الاستثمارية دون قيود ، وذلك بهدف إيلاء قدر كاف من الإهتمام للسياسة النقدية و المالية و التحكم في آلياتهما .
تعد هذه المرحلة انطلاقة جديدة ، تميزت في تاريخ المسار التنموي في الجزائر ، و تجسدت عبر ارتباط القرار السياسي بالمسعى الإقتصادي ، إذ تمكنت الجزائر من إعادة النظر في الملكية و الوسائل الإنتاجية ، و تبني أسلوب التخطيط كأداة لتوجيه عملية التنمية و تنظيمها ، فكان ذلك بمثابة نقطة التحول ، دخلت إثرها الجزائر تجربة صياغة إستراتيجية شاملة لبلوغ التقدم الإقتصادي و الرفاه الإجتماعي. تقوم هذه الإستراتيجية على إزالة الاختلال و التشوه الذي خلفه الإستعمار في البنية الإقتصادية ، و بالتالي محاولة تنفيذ خطة تتميز بالانتقال النوعي إلى إقتصاد قوي ، قادر على تخطي مظاهر التخلف اعتمادا على التخطيط في ضبط الوسائل و تحديد الغايات.
ولقد ساعد في تنفيذ هذا المسعى تلك الإجراءات المرتبطة بمبدأ التأميم و إسترجاع الثروات الوطنية، و عليه فقد أصبحت سياسة التخطيط ميزة جلية ترتبط بكيفية تحقيق التنمية كعملية إجرائية ، و لذا يمكن وصف التخطيط الاقتصادي بأنه ” محاولة إرادية مباشرة أو في بعض الحالات إجراء مراقبة على مستوى بعض المتغيرات الأساسية في إقتصاد البلاد على مستوى الدخل و الاستهلاك وتوفير مناصب العمل و الإستثمار و الإدخار و التصدير و الاستيراد.
لقد أكد برنامج طرابلس و ميثاق الجزائر على أهمية التخطيط المستند إلى العلم ، باعتباره الأسلوب الأمثل لتوجيه الإقتصاد و السير به في طريق الديمقراطية، فهو الأسلوب الفعال لضمان تنمية البلاد تنمية شاملة و منسجمة ، حيث تستهدف خطط التنمية تغيير الهيكل الإقتصادي المشوه و إعادة بنائه باتجاه زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية في الإنماء لضمان استمرارية التنمية ، و يتحقق ذلك بتطوير قوى الإنتاج و رفع إنتاجية العمل من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة ، حتى يتم الوصول بكل ذلك إلى تقدم الإمكانات الذاتية للبلاد و استقلالها ، و زيادة التراكم الحقيقي و بالتالي الخروج من التخلف.
وبناءً على هذه المقومات لا يرى المسؤولون الجزائريون أي مبرر لغياب بلادهم عن الإستثمار والتمدد في إفريقيا واستغلال الفرص التي تتيحها أسواقها. حيث لا تمثل مبادلات الجزائر مع دول القارة الإفريقية سوى 1.5% من مجموع المبادلات التجارية الخارجية، وتعول الجزائر على رفع نسبة المبادلات التجارية مع القارة مستغلة موقعها السياسي والجغرافي كأكبر بلد في افريقيا وحضورها الدبلوماسي الوازن في مختلف هياكل الإتحاد الإفريقي.
ولأجل ذلك التوجه، كانت الجزائر قد وضعت اللبنات الأساسية لتعزيز موقعها الاستثماري والدبلوماسي بالقارة السمراء وكذا تموقع شركاتها، حيث يأتي بناء ميناء تيبازة التجاري (70 كلم غرب العاصمة الجزائرية) كتتويج لهذا المسعى. هذه المنشأة الحيوية، التي تقدر تكلفة انجازها بــ 3.3 مليار دولار، يُنتظر أن تساعد، حسب خبراء اقتصاديين جزائريين، البلدان الإفريقية التي لا تملك موارد لانجاز بناها التحتية في أقاليمها وفتح أروقة لها من أجل نقل البضائع وتنظيم مناطق الموانئ الخاصة للحمولات الكبرى والقواعد اللوجيستيكية، إضافة إلى نقل الخبرات اليها. هذا ناهيك عن دور هذا المشروع في تحقيق الاندماج الإقتصادي الافريقي.
وهوما ذهب إليه وزير الخارجية الجزائري بقوله أن بلاده تدرس إمكانية التقرب من السوق المشتركة لإفريقيا الشرقية والجنوبية، مع إمكانية فتح منطقة حرة للتبادل التجاري مع إفريقيا. وفصّل وزير الشؤون الخارجية لعمامرة في إستراتيجية بلاده قائلاً أنه “في مستقبل غير بعيد سنتفاوض حول اتفاقاتنا التجارية مع كل من مالي والنيجر وكذا مع المجموعة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا”.
وتقود هذه الإستراتيجية شركات جزائرية رائدة في مجالاتها، حيث سيتم فتح مفاوضات رسمية لنقل استثمارات جزائرية لشركات عمومية مثل سونلغاز، اتصالات الجزائر، الخطوط الجوية الجزائرية للدول الإفريقية، إضافة إلى استثمارات عملاق النفط الجزائري سوناطراك، الذي تتواجد استثماراته في كل من النيجر، تشاد، موزمبيق، ليبيا وزمبابوي.
والحال نفسه ينطبق على القطاع الخاص مثل مجمع سيفيتال ورائد التكنولوجيا كوندور.ومن بين مشاريع البنى التحتية التي تعول الجزائر عليها في هذا المسعى، نجد الطريق العابر للصحراء الرابط بين الجزائر ولاغوس الممتد على طول 9400 كلم، وهوالمشروع الذي يجسد التكامل الافريقي بربطبه بين سبعة دول افريقية هي الجزائر، مالي، تونس، تشاد، نيجيريا، بوركينافاسو والنيجر، هذه الاخيرة التي تكفلت الجزائر بتمويل وانجاز الشطر الخاص بها من الطريق والبالغ 230 كلم، وهوآخر شطر لم ينجز بعد.
الى ذلك، تعول الجزائر ايضاً على مشروع أنبوب غاز غرب أفريقيا “نيغال”، الذي يمتد من نيجيريا إلى الجزائر مرورا بالعديد من دول غرب أفريقيا ومنها إلى سينقل الغاز الى أوروبا، ويتوقع أن تصل تكلفته الإجمالية حدود ال 20 مليار دولار، وينتظر ان ينقل 28 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الى القارة العجوز.
وهناك الكثير من المشاريع غير ذلك، والجزائر لن تبنى سوى بسواعد أبنائها. واليوم الجزائر الحمد لله تحررت سياسيا وسوف يتم فك كل القيود المقيدة عنها عن طريق خدام هدا الوطن الأبي، تصديقا لمقولة إفريقيا للأفارقة و الهيمنة ولى عصرها المجد والخلود لشهدائنا الأبرار دماء الشهداء طاهرة وروحهم حاضرة في هدا الوطن.
رابط دائم: https://mosta.cc/0neao