وسط صخب الأحداث المتسارعة إقليميًا، تصدر وسمٌ جزائري منصات التواصل الاجتماعي، يحمل نداءً فريدًا من نوعه: “لا تذهب عمي تبون إلى العراق”.
هاشتاغ لم يكن رفضًا سياسيًا ولا موقفًا عدائيًا من القمة العربية المرتقبة في العراق، بل كان ـ على غير المعتاد ـ تعبيرًا عن علاقة ثقة ووفاء بين قائد وشعبه.
من تابع التفاعلات الحية عبر فيسبوك، تويتر، تيكتوك وإنستغرام، يدرك أن الأمر لم يكن مجرد ترف رقمي أو موجة عابرة، بل هبة عفوية شعبية تُجسد حراسة وجدانية لرأس الدولة، في مشهد قلّ نظيره في عالم اليوم، حيث تتسع الفجوة بين الشعوب ومن يحكمونها.
الجزائريون، وهم أهل وفاء ومروءة، لم يُنكروا في يوم من الأيام عمق روابطهم مع أشقائهم في العراق. غير أن قلقهم المشروع على أمن وسلامة رئيسهم في ظرف إقليمي حساس، عبّر عن نضج سياسي نادر، وحس وطني يقدّر قيمة الدولة ومؤسساتها.
القراءة العميقة لهذا الحدث لا تكمن في ظاهر الوسم، بل في باطن رسالته: الشعب الجزائري، بعيدًا عن الحسابات الدبلوماسية، يُعلن تمسكه برئيسه، ويدعمه في قراراته، حتى عندما يطالبه بشيء، فإنه يطلب من باب المحبة لا المعارضة، ومن منطلق الحرص لا الرفض.
وما حدث، ليس فقط درسًا في الوفاء، بل برهانًا آخر أن الثقة تُبنى عبر المواقف، وأن السياسة حين تتقاطع مع نبض الناس، تُثمر ما رأيناه: رئيس يحظى بالالتفاف، لا الاتهام؛ وشعب لا يثور على مؤسساته، بل يحميها.
وإن دل هذا المشهد على شيء، فإنما يدل على وعي شعبي متقدم، وإحساس جماعي بالمسؤولية، قلّما نجده في كثير من المجتمعات، حيث الثقة بالقيادة تُشترى بالدعاية أو تُفرض بالقوة.
في الجزائر، تُصنع من الصدق، وتُصان بالحب.
رابط دائم: https://mosta.cc/quae5