حاوره محمد الصالح براهمي
تطرق الخبير الإقتصادي، الدكتور سليماني عبد القادر، في حوار خص به يومية “المستثمر” الإقتصادية، إلى تنشيط الدبلوماسية الإقتصادية، مشيرا إلى أن قوة الدبلوماسية الجزائرية لم يتم استغلالها سابقا في الشق الإقتصادي، لغياب إرادة سياسية، كما تطرق لدور الجالية والتمثيليات الدبلوماسية للجزائر في الخارج في إنجاح خطة الإقلاع الإقتصادي
البداية من مفهوم الدبلوماسية الإقتصادية، ما هي وأي دور لها في رسم صورة الإقتصاد العالمي؟
الديبلوماسية الإقتصادية هي كل نشاط تقوم به البعثات الخارجية من قنصليات وسفارات وحتى وزارة الخارجيية، في تنشيط وجذب استثمارات والتعريف بالسوق الجزائرية وحتى البحث عن أسواق خارجية من أجل تسويق منتجات الجزائر، في دول تواجد تلك البعثات
نعرف أن الجزائر لها علاقات مع أكثر من 140 دولة، وهو ما يمثل إمكانيات كبيرة يمكن أن تتحول إلى قوة تنشيطية ودبلوماسية، يمكن حتى أن نقول لوبي، وكخبير إقتصادي كنت قد قلتها سابقا “لما لا تفعيل اللوبي أو جماعة المصالح الجزائرية في الخارج، على الأقل في افريقيا ودول الخليج العربي”.
بالنسبة لدور الدبلوماسية الإقتصادية، فلها دور كبير، خصوصا مع عودة الجزائر إلى الساحة الدولة، لذلك يمكن ترجمة الحضور الدبلوماسي الجزائري في عواصم العالم، خصوصا في افريقيا والدول العربية أو حتى في أوروبا، إلى فعل اقتصادي من أجل التعريف بالإقتصاد الجزائري، المنتوجات الجزائرية، الإستثمارات بصيغة “خذ وهات”. الآفاق الموجودة في الجزائر، والمنتوجات المتوفرة يمكن أن نصدرها إلى الخارج، بالإضافة إلى إمكانية البحث عن مستثمرين وشركاء.
لذلك فإن التعريف بمناخ الأعمال في الجزائر هو لب الدبلوماسية الإقتصادية.
لطالما عرفت الجزائر بقوتها الدبلوماسية، لكن ذلك لم يستغل اقتصاديا في السابق، ما هو السبب في رأيك؟
الجزائر معروفة منذ ستينيات القرن الماضي، والجزائر دولة كبيرة في منظمة عدم الإنحياز والإتحاد الأفريقي والجامعة العربية، كما تملك مكانة قوية مع دول أمريكا اللاتينية وأوروبا وكذلك أمريكا الشمالية.
لكن، ربما غياب إرادة سياسية حقيقية لم تترجم إلى دبلوماسية إقتصادية فعالة، بقيت بعض العلاقات بينية أو ثنائية لكن لم ترقى إلى التفعيل، على شاكلة مثلا المنظمة الإقتصادية لقارة أفريقيا، والتي تعمل كثيرا، ونعرف أن حجم الناتج الداخلي الخام لأفريقيا هو 2500 مليار دولار، كما أنها تسخر بأغنى الإمكانيات من معادن وذهب وغاز، لكنها لم تترجم.
لذلك، يمكن القول أن الدبلوماسية الإقتصادية كانت مغيبة منذ الستينيات لسبب غياب الإرادة السياسية أو ربما، خوف من المستثمر الأجنبي والظن أنه جاء للجزائر من أجل سلب الثروات، وهي ما مثلت مشكل وعائق دائم أمام الدبلوماسية الإقتصادية في الجزائر.
وهناك نقطة مهمة يجب الإشارة عليه، وهي أنه ضمن البعثات الدبلوماسية هناك ملحق عسكري وملحق ثقافي، لكن لا نجد ملحق إقتصادي أو تجاري بحت، مكلف بإيجاد الأسواق في الخارج، إذ دائما ما يمت تغليب الجانب السياسي والثقافي والأمني على الإقتصادي التجاري.
بالإضافة إلى كل ذلك، الجزائر كانت تعتمد بنسبة 98 بالمائة من مداخيلها على البترول، وعندما كان البترول سعره مرتفع، لم يتم التدقيق أو البحث عن خيارات أخرى، إلا بعد إنهيار أسعار النفط، ما اضطرنا للبحث عن أسواق أخرى، وكذلك لغياب أطر قانونية واضحة.
الرئيس تبون أعلن منذ قدومه للحكم تبني توجه اقتصادي في علاقات الجزائر مع محيطها الإقليمي، كيف ترى ذلك؟
بعد استقرار الوضع، والبناء المؤسساتي، اليوم 2022 هي سنة اقتصادية، فالرئيس تبون عرف أنه يجب تنويع الشركاء، خصوصا المضمونين مثل تركيا والصين وروسيا وإيطاليا وكذلك الخليج العربي، وهم شركاء استراتيجيون يمكن للجزائر أن تبني عليهم إقتصادها وتدخل معهم في استثمارات رابح رابح.
ولكن يجب عدم إعادة نفس الغلطة السابقة، أو كما وصفت بـ”استثمارات الريح”، إذ يمكن إنشاء استثمارات على قواعد صحيحة، وبناء نسيج اقتصادي يلبي احتياجات السوق الوطنية، مع وضع شرط نسبة إدماج كبيرة.
4– نبقى في إطار سياسات الرئيس تبون، كيف ترى زياراته لدول شقيقة وصديقة؟, وما هو أثرها على الإقتصاد الوطني سواء عاجلا أم آجلا؟
زيارات الرئيس تبون هي زيارات كثيفة، إذ كانت إلى مصر والسعودية، ثم الكويت وقطر وتركيا، والأسبوع القادم سيتوجه نحو إيطاليا، تليها الصين وروسيا، ولذلك يمكن القول أنه اليوم اتضحت ورقة الطريق، خصوصا الشركاء الإستراتيجيين والوصول إلى علاقات إمتياز، كل دولة تكون الشراكة في مجال، مثلا تركيا تكون في مجال البناء، الصين المناجم، إيطاليا في الصناعة ودول الخليج في البنية التحتية، وبعدها نبحث عن شركاء في الميدان الفلاحي.
هذه الخطة تكون وفق إمكانيات كل دولة والشركات التي تملكها، وكما قال الرئيس تبون سابقا، هناك مثلا النموذج الإيطالي، وهو نموذج جيد في الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة.
بالنسبة الآثار، فإنها ستكون آنية، بمجرد أن يذهب قانون الإستثمار إلى البرلمان وتتم المصادقة عليه، يبدأ تدفق رؤوس الأموال، وفق تقديرات، سنة 2022 وبداية 2023 على الأقل سنبلغ رقم 5 مليار دولار استثمارات مباشرة، خاصة مع إنشاء مناطق حرة وضمان حرية حركة رؤوس الأموال وإعادة النظر في قاعدة 49/51 بالمائة وفق طبيعة الإستثمار.
هناك كذاك سوناطراك التي ترغب في استثمار 40 مليون دولار خلال 5 سنوات المقبلة، مع شركاء موثوقين، مثل إيطاليا عبر شركة إيني، أو شركات أخرى في مجال الطاقات المتجددة، هناك كذلك مشروع سولار 1000 مع ألمانيا، كل هذه مشاريع ستضمن نجاعة اقتصادية ومردودية مالية من اجل خلق ثروة وتحقيق الإنعاش الإقتصادي، بعيدا عن الإقتصاد الريعي
والأهم خلق شركات مناولة، وشركات متوسطة وصغيرة، وهو توجه الدولة اليوم، هناك مثلا مشاريع كبيرة مثل منجم الفوسفات في تبسة، أو غار جبيلات للحديد، والأفضل ألا يتم بيع الفوسفات والحديد كمادة خام فقط، بل إعادة تحويلهم في الجزائر، وجلب شركاء أجانب لنقل التكنولوجيا ورؤساء الأموال والخبرات للجزائر.
ويتوقع أن يتضمن قانونا لصفقات العمومية الجديد، بعد تعديل الحالي، نسبة قد تصل إلى 20 بالمائة من الصفقات ستذهب لشركات صغيرة ومتوسطة، وهو أمر جيد لخلق روح المقاولاتية لدى الشباب، وخلق دورة إقتصادية كاملة.
الجالية الجزائرية في الخارج، لطالما تم تغييبها عن الواقع الإقتصادي للبلاد، لكن الرئيس تبون سعى لتغيير ذلك، في تقديركم كيف يمكن للجالية المساهمة في الدفع بالإقتصاد الوطني؟
بالنسبة للجالية الجزائرية في الخارج، فلديها دور كبير إقتصاديا، مثلا بلغة الأرقام، التحويل البنكية للمصريين المتواجد خارج مصر إلى الداخل خلال سنة 2021 بلغت قيمتها 33 مليار دولار، وهو رقم قريب من مداخيل الجزائر من النفط.
وبمجرد تحيين قانون النقد والصرف والمنظومة البنكية لتكون أكثر سلاسة وانسيابية، ونحرّر حركة التحويلات البنكية، على الأقل لفائئدة الجزائريين في الخارج، حتى ندمجهم ضمن المشاريع، لماذا مثلا لا يتم منحهم قطع أراضية وتسهيلات لإنشاء مشاريع في الجزائر.
هناك من المغتربين في الخارج من يملكون خبرات، وهناك من يمكنهم حتى جلب شركاء اجانب للإستثمار في الجزائر.
وهناك كذلك إمكانية فتح فروع لشركات عالمية، على شاكلة تيسلا وميكروسوفت وآبل بالجزائر، أو شركات يملكها جزائريون مغتربون، خصوصا في ظل اضرورة التوجهه نحو إنشاء مناطق صناعية حرة، وهو امر جد مهم.
كلمة أخيرة..
وفي الأخير، الإقتصاد هو مهمة الجميع، خاصة الدبلوماسية، إذ يجب أن تكون ممثلياتنا في الخارج مستقطبة للمستثمرين، وتكون السفارة أول بائع للمنتوج الجزائري، ويجب أن تتخلص من صورة الإدارة لتصبح موقع جلب للإستثمار.
فالإقتصاد الجزائري اليوم يتطلب تكاثف الجميع.
رابط دائم: https://mosta.cc/nvwax