حاوره: براهمي محمد الصالح
بمناسبة إحياء الذكرى 60 لتحقيق الإستقلال الوطني، واسترجاع السيادة الوطنية، يعود بنا الخبير الإقتصادي عبد القادر سليماني، في هذا الحوار لجريدة المستثمر، إلى تاريخ الإقتصاد الجزائري من فترة ما قبل الإستعمار الفرنسي إلى غاية فترة عامين ونصف الأخيرة، أي منذ قدوم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
الإقتصاد الجزائري قبل الإستعمار
كان الاقتصاد الجزائري قبل الاحتلال الفرنسي يغلب عليه الطابع الزراعي إلى جانب بعض الصناعات الحرفية البسيطة المرتبطة بالإنتاج الزراعي. وقد بادر المستعمر غداة الاحتلال مباشرة إلى إصدار جملة من المراسيم والقرارات واتخاذ آليات وإجراءات قهرية ولصوصية لمصادرة الأراضي وحصرها وتحديدها ونهج سياسة الاغتصاب الإداري، بتوقيع الحجز أو البيع بالمزاد.
ومنها مرسوم انتزاع الأراضي المستخدمة من القبائل كمراعي للماشية عام 1846؛ صدور القرار الخطير باعتبار الجزائر مقاطعة فرنسية سنة 1848؛ سياسة القروض الربوية لانتزاع ملكية الفلاحين سنة 1850؛
بالإضافة إلى قرار مجلس الشيوخ المتضمن إلغاء التمييز بين أراضي العرش والملك وتثبيت حق الملكية المشاعة أو الجماعية عام 1862؛ مرسوم الحقوق العقارية للحائزين الفرنسيين عام 1884؛ مرسوم خاص بمصادرة الأملاك المنقولة وغير المنقولة للسكان المحليين الذين يغادرون منازلهم لمدة تزيد عن 3 أشهر بدون إذن السلطة الفرنسية سنة 1885.
الإقتصاد الجزائري أثناء الإحتلال الفرنسي
ترتب عن الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر خلال الفترة (1830-1962) تشوهات كبيرة في هيكل الاقتصاد الجزائري منها خلق قطاع اقتصادي مزدوج، قطاع عصري أوروبي متطور يستعمل وسائل إنتاج متطورة ويستغل أجود الأراضي، وقطاع ثان تقليدي ريفي جزائري يغلب عليه الطابع الزراعي، يستعمل وسائل إنتاج بدائية ويستغل الأراضي غير الخصبة (الهامشية) على سفوح الجبال والوديان.
وكذلك انفصال القطاع الحديث العائد للأوروبيين عن الزراعة الجزائرية (التوجه نحو منتجات زراعية صناعية كالحمضيات لتصدير الخمور).
ونتج عن ذلك تدهورا للوضع المعيشي للسكان الأصليين وعملية تفقير واسعة للمجتمع الجزائري وخاصة سكان الريف الذين كانوا يشكلون الأغلبية الساحقة من السكان الأصليين.
وما يمكن تسجيله اختصارا عن الفترة الاستعمارية بعض الملاحظات التي تعد مهمة من حيث آثارها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية بعد الاستقلال، لعل أولها مكانة قطاع المحروقات في الاقتصاد الوطني: منذ اكتشاف البترول في الجزائر سنة 1956 ازداد الاهتمام به من حيث ح نوجم الاستثمارات المنجزة وحجم الإنتاج وكذا حصة المحروقات في الصادرات إلى الخارج، و الجدول أسفله يوضح حجم الاستثمارات التي ينجزها القطاع البترولي.
– فتح منافذ إضافية للصناعة الاستعمارية: أدت الحرب العالمية الثانية وخاصة في الفترة 43-45 إلى عزل الجزائر وبروز مشكلة الندرة والتضخم، ودفع ذلك المستعمر إلى تبني سياسة إحلال الواردات فأنجزت استثمارات في الصناعة الميكانيكية والمعدنية (الأدوات المنزلية، العربات…) صناعة كيماوية، صناعة مواد البناء…بينما واصلت الزراعة التصديرية في إنتاج الحمضيات والمواد الغذائية، كما نلاحظ أنه خلال الفترة (45-62) كانت الاستثمارات الصناعية مركزة جغرافيا في الجزائر، وهران، عنابة وقسنطينة، ولكنها غيرت من بنيتها الإنتاجية فأصبحت تتجه بصفة اقل نحو الأنشطة القاعدية (مثلما هو الحال أثناء فترة الحرب) وبصفة أكثر نحو الصناعات الخفيفة (خيوط الغزل، عصير الفواكه،…). أما القطاع البترولي فواصل تطوره بشكل واضح في حين تبذل جهود أقل بخصوص التنوع في بنية الاقتصاد الجزائري، كل هذا يؤكد أن الاستعمار هدفه إنشاء منفذ إضافي للصناعة الاستعمارية والبحث عن أسواق لتصريف منتجاته وليس إقامة صناعة حقيقية في الجزائر.
مراحل تطور الإقتصاد في الجزائر
أ-مرحلة التسيير الذاتي : لقد خرجت الجزائر من الحرب الطاحنة سنة 1962بإقتصاد يكاد يكون مدمرا ..ومما زاد الطين بلة ،هو عندما غادر العاملون بالإدارة والمراكز الحساسة والفاعلة والسيادية مناصبهم ..تاركين المؤسسات والإدارات مهملة وشبه فارغة .فعلى سبيل المثال لا الحصر ..غادرخلال 6 أشهر 800.000شخص .
وفي حقيقة الأمر كان المقصود من ذلك،خلق مشاكل أمام الدولة الجزائرية المستقلة حديثا..
فهناك البطالة،والفقر ،والتهميش ،والأمية ..وضعف البنية التحتية والهيكلية …الخ .دون أن ننسى قطاع التجارة والصناعة والزراعة الضعيف وشبه المدمر .
وأمام هذه الوضعية كان لزاما أن تتخذ الجزائر المستقلة حلا ..كان هذا الحل هو فكرة التسيير الذاتي ،التي لم تكن في حقيقة الأمر نتيجة تفكير عميق ،بل استجابة عفوية لتلك الظروف الإقتصادية –الإجتماعية والسياسية ، هي التي فرضت العمل بهذا النمط .لكن هذا النمط من التسييرلم يدم طويلا حتى عوض بنمط آخر نتيجة تلك القرارات التي أكدت على سياسة التأميمات ..
ب-مرحلة التسيير الإشتراكي : لقد ارتبطت هذه المرحلة بمفهوم “النظام الإشتراكي” أو ما كان شائعا ب”الإشتراكية” التي ارتكزت على مبدأ الملكية العامة لوسائل الإنتاج من جهة وتدخل الدولة كاملا في الإقتصاد وقضاياه ،فضلا ى عن مبدأ التخطيط المركزي .لكن هذا أدى إلى العجز المالي الذي عرفته المؤسسات الوطنية الإشتراكية التابعة للدولة الجزائرية .
وهكذا أصبحت تلك المؤسسات عاجزة وبدون قدرة مالية منتجة ذاتيا ،ولافائضا ماليا …الخ . ولكنها استمرت في الحياة زمنا طويلا ،وذلك بفضل الأموال البنكية القادمة من الريع البترولي والغازي .
ج-مرحلة إقتصاد السوق : لم يتمكن القائمون على دواليب الحكم إرساء نظام اقتصادي جديد. وذلك لبقاء هيمنة وسيطرة اعتماد اقتصاد يقوم على الريع البترولي .لذلك شهد الإقتصاد رغم تسميته باقتصاد السوق هزات عدة نتيجة سوء التسيير ،وتسريح العمال ،وغلق المصانع والمؤسسات،وتدهور العملة بشكل لايتصور .
بداية الإصلاحات الإقتصادية
بداية الاصلاحات كانت باصدار المرسوم رقم 80-242 بتاريخ 14/10/1980 خاص بأعادة هيكلة المؤسسات العمومية, اذ في نهاية سنة 1983 تمت تجزئة نحو 100 مؤسسة عمومية تظم 4/3 من النشاط الاقتصادي إلي 500 مؤسسة جديدة تقريبا
و قد كانت الغاية من سياسة اعادة الهيكلة انذاك هي :
ادخال المزيد من المرونة بالسعي الى تخصيص المؤسسات , و الفصل بين مهام الإنتاج و التوزيع و تقليص أحجامها
اعتماد اللا مركزية قصد النهوض بالأقتصاد المحليو الجهوي , و هادا ما جسده اقامت مقرات للشركات في مختلف أنحاء الوطن.
لقد كان للازمة البترولية المعاكسة سنة 1986 تأثير بالغ الاهمية على الأقتصاد الوطني , حيث اصبحت مظاهر الجمود و الضعف في نظام التخطيط المركزي اطثر و ضوحا الشىء الدي ادي بالجزائر الى الدخول في موجة جديدة من الأصلاحات الاقتصادية التى عرفت التجسيد في نهاية 1987 بإصدار قانون رقم 87/19 المتعلق باعادة هيكلة القطاع الفلاحي حيث تم تقسيم حوالي 350 مزرعة حكومية كبيرة الى تعاونيات خاصة و مزارع فردية, تتمتع بحقوق الاستغلال الطويلة الاجل و هادا بغية النهوض بهادا القطاع الدي عانى الإهمال في المخطاطات التنموية السابقة , فنجد ان نصيب القطاع الفلاحي من الاموال المستثمرة كان ضعيفا جدا 20% في الفترة ] 1967- 1969 [, 1% في الفترة
] 1970-1973[ و 7.3% في الفترة الفترة ]1974 – 1977[ .
كما تم اصدار القوانين جانفي 1988 المتعلقة باستقلالية العمومية , كنمط جديد لتنظيم القطاع الاقتصادي في الجزائر حيث منحت جميع المؤسسات العمومية تقريبا استقلال من الوجهتين القنونية و التشغلية يمكن القول أن الاصلاحات الاقتصادية التى انتهجت في الجزائر منذ مطلع الثمنينات عرفت فاشل على المستوي الإقتصادي ,فند ان مثلا سياسة اعادة الهيكلة المتعلقة بالمؤسسات العمومية لم ترقي الى مستوي الاهداف المنتظرة حيت بلغ العجز المالي ما بين الفترة ]1984-1987 [ لهاذه المؤسسات 125 مليار دينار او ما يعادل 18,5 مليار دولار كما ان ضروف الخارجية لم تكن في صالح الجزائر , اذن ان انخفاض اسعار النفط سنة 1986 و قيمة الدولار التى كانت عملة العامل في مجال المحروقات اديا الى انخفاض كبير في ارادات الجزائر من 13 مليار سنة 1985 الى 7 مليار دولار سنة 1986
و بفعل الاختلات الكبيرة التى بدا يعرفها الاقتصاد الو طني , كان يجب اجاد البديل للسياسة المنهجة منذ الاستقلال, و دالك بالقيام بسلسلم من الاصلاحات الهيكلية قصد تحول من الاقتصاد موجه الى اقتصاد السوق.
جزائر ما بعد الحراك.. ميكانيزمات إقتصادية جديدة نحو إقتصاد الغد
سعى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ قدومه للرئاسة بعد إنتخابات رئاسية سنة 2019 تلت حراكا شعبييا مباركا، إلى احداث قطيعة مع مع الأنظمة الإقتصادية التي كانت متبعة في السابق، و القطيعة كذلك مع نمط التسيير، إذ أكد السيد رئيس الجمهورية أن الجزائر بحاجة الى إقتصاديين وفاعلين في الميدان وليس الى اداريين. نحن بحاجة الى افعال وتنفيذ اكثر من ناس بيروقراطيين لوضع قوانين وفقط. فاليوم العمل هو ما سيحقق يدير الطفرة الإقتصادية. ويحدث قفزة نوعية للجزائر.
ورقة طريق رئيس الجمهورية تبون هي التحول الاقتصادي والخروج من الاقتصاد الريعي الى اقتصاد منتج الى توطين الانتاج الوطني، بناء نسيج صناعي مبني على المناولاتية، بهدف الوصول الى ثمانمئة الف شركة صغيرة ومتوسطة.
هذا طبعا مع المحافظة على اجتماعية الدولة الجزائرية التي هي ثابتة من ثوابت بين اول نوفمبر، إذ أنها تقريبا الدولة الوحيدة في الوطن العربي الافريقيا اللي عندها منحة بطالة، كما انها الدولة الوحيدة اللتي تمنح مدة 18 شهرللموظفين حتى يؤسسوا شركاتهم الخاصة، مع إمكانية العودة إلى المنصب. كما الدولة تساعدك تقريبا بخمسين الف دولار لانشاء الشركات وتقريبا عشرين الف دولار مساعدة في انشاء الشركات المصغرة.
جزائر الشباب بإمكانها أن تتحول إلى بوابة افريقيا الإقتصادية
تحوز الجزائر على إمكانيات ضخمة، فهي دولة 70 بالمائة من سكانها شباب، كما انها الأكبر مساحة في الوطن العربي وأفريقيا، بالإضافة إلى إحتياطي نفط يفوق مليار برميل وغاز طبيعي يفوق خمسة تريليون متر مكعب، بالإضافة إلى ثالث أكبر إحتياطي غاز صخري في العالم، دون نسيان منطقة صحراوية ضخمة، هي أكبر منطقة للطاقة الشمسية.
بالإضافة إلى خمسين الف مليار متر مكعب من المياه الجوفية. و ثالث احتياطي حديد والفوسفاط في العالم. وكذلك معادن مثل الذهب والنحاس.
اضافة الى حدود برية كبيرة جدا. حدود مع البحر الابيض المتوسط تسمح بتشكيل شراكات استراتيجية مع الدول في العالم مثل روسيا، الصين، امريكا الاتحاد الاوروبي، تركيا، ايطاليا وغيرهم.
الجزائر لتحقيق الاقتصادية المقبلة سوف تعتمد على شركائها خصوصا اوروبا والصين وروسيا والما والالمان من اجل استثمارات جديدة خصوصا في الصحراء الجزائرية.
كما يجب أن نشير إلى أن الجزائر ملك تقريبا اثنين وعشرين مليون هكتار من مساحات قابيلة وصالحة للزراعة، ما يمكن أن يحقق لها الاكتفاء الذاتي من مادة القمح.
مداخيل الجزائر، تطور عمودي مستمر يمنح قوة وثبات للإقتصاد الجزائري
فيما يخص مداخيل الجزائر نعرف انه خلال العام الماضي كانت المداخيل في حدود خمسة وثلاثين حتى ربعين مليار دولار. والواردات كانت بين اثنين وثلاثين مليار دولار. فأولا التحدي هو مع الترسانة القانونية الجديدة مع قانون الاستثمار الجديد مع قانون حركة رؤوس الأموال مع مع قانون المناطق الحرة التجارية،قانون النقد والقرض. ثم قانون الولاية والبلدية.
اضافة الى انشاء مجلس اعلى يعني بتسيير الواردات، والذي تقرر إنشاؤه مؤخرل.
كل هذا من اجل احداث طفرة اقتصادية وتجارية، خصوصا من ناحية المداخيل، والتي يتوقع أن تكون في حدود خمسة وخمسين مليار دولار. مداخيل من البترول زائد تقريبا بين خمسة وسبعة مليار دولار. لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة. نجلب سبعة ملاير دولار خارج المحروقات.
بعد فترة وجيزة بعد تثمين الموارد. اتجاه الحكومة الجزائرية الى اولا ضخ تقريبا اربعين مليار دولار. في استثمارات جديدة للسوناطراك. على مر خمس سنوات القادمة في رؤية جديدة، مبنية على التحول الطاقوي الى الطاقات. جديدة ومتجددة وتثمين الموارد كذلك الغاز والبترول
رابط دائم: https://mosta.cc/pbumc