تشكل الصناعة التحويلية الطاقوية أحد التحديات الكبرى التي تواجه الحكومة الجزائرية، حيث تعد من أولويات الدولة ووزارة الطاقة والمناجم. في هذا الإطار، تعمل الجزائر على تنفيذ العديد من المشاريع الطموحة التي تهدف إلى تعزيز قدراتها الوطنية في قطاع المحروقات وتطوير الصناعة البتروكيماوية.
وفي هذا السياق، قدم رئيس سلطة ضبط المحروقات، رشيد نديل، في تصريحات صحفية تحليلاً دقيقًا لمختلف المشاريع والاستراتيجيات التي تم تبنيها لتعزيز قدرات الجزائر في هذا المجال.

الصناعة التحويلية للطاقوية من بين تحديات الحالية للحكومة، كيف باعتقادك يمكن كسب الرهان؟ وما هي الإجراءات أيضا المتخذة للرفع من القدرات الوطنية للمحروقات؟
تواجه الجزائر تحديات كبيرة في تطوير قطاعها الطاقوي، لا سيما في مجال الصناعة التحويلية الطاقوية، التي تعتبر من الأولويات الوطنية.
من بين هذه المشاريع الهامة، مصفاة حاسي مسعود التي تم إطلاق إنجازها بهدف تلبية الطلب الوطني، مع توقع بدء الإنتاج في عام 2027. إلى جانب ذلك، توجد مشاريع أخرى مدمجة ضمن برنامج الحكومة، مثل مشروع “إيثيلان” في سكيكدة، مشروع “بروبلين” في أرزيو، ومشروع مصنع الأمونياك واليوريا في مرسى الحجاج. كما يشمل البرنامج مشاريع استراتيجية أخرى مثل مصنع الميثانول ومصنع المطاط الصناعي في برج بوعريريج، بالإضافة إلى مشروع “بوليتيلان” في أرزيو.
وفي مجال الطاقة المتجددة، تولي الحكومة أهمية خاصة للطاقة الشمسية، التي تشكل جزءًا من التحول الطاقوي.
ما هي العراقيل التي تواجه هذا التحول الطاقوي ؟
بالنسبة للتحديات التي تواجه هذا التحول، فإن الجهود المبذولة من طرف الدولة جعلت العراقيل محدودة للغاية. فمع اعتبار التحول الطاقوي أولوية وطنية، تم تسجيل تقدم ملموس في إنجاز المشاريع الكبرى.
هل تعتبر مشاريع وطنية أو بالشراكة مع الأجانب ؟
تتنوع هذه المشاريع بين الوطنية وتلك التي تُنفذ في إطار شراكات مع مستثمرين أجانب. وقد شهدت معظم المشاريع المشتركة انطلاقة فعلية، مما يعكس التزام الجزائر بتطوير هذا القطاع الحيوي وتنويع اقتصادها الوطني
هل هناك برامج استثمارية لتحقيق الاستفادة من الزيوت المستعملة؟ ولماذا لا توجد مشاريع لحد الساعة؟
بالنظر إلى حجم الزيوت المستعملة في الجزائر، والتي تصل سنويًا إلى نحو 150,000 طن، هناك فرصة كبيرة لاستغلال هذه الموارد بطريقة تعود بالنفع على الاقتصاد والبيئة. تشير الأرقام إلى أن مجمع سوناطراك وشركة نفطال يسترجعان حوالي 30,000 طن فقط، بينما يتم فقدان أو تبخر جزء منها، ويبقى حوالي 80,000 إلى 90,000 طن غير مستغل.
على الرغم من الجهود المبذولة، مثل مشروع إعادة تدوير الزيوت الذي تعمل عليه سوناطراك بالتعاون مع نفطال، إلا أن هذه الخطوات تبدو غير كافية لمواجهة التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بهذا القطاع. ومن أسباب غياب مشاريع استثمارية كبيرة من القطاع الخاص، أن القانون الحالي يعتبر إعادة التدوير نوعًا من التكرير، وهو مجال محصور حاليًا على سوناطراك.
مع ذلك، يتيح القانون إمكانية مشاركة القطاع الخاص في هذه الاستثمارات بشرط أن تكون بالشراكة مع سوناطراك أو إحدى فروعها، حتى ولو بنسبة بسيطة. لذلك، يُوجه نداء لتسهيل وتفعيل هذه الشراكات، مما سيسهم في فتح الباب أمام استثمارات خاصة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتحسين إدارة الموارد البيئية.
و من جهته مشروع مصنع إعادة تدوير الزيوت المستعملة الذي تعمل عليه سوناطراك هو خطوة إيجابية، ونتمنى أن يكون بداية لتحفيز مزيد من الاستثمارات في هذا المجال.
و ماذا عن فاتورة إستراد الزيوت كونها مكلفة بالنسبة للخزنة العمومية ؟
فاتورة استيراد الزيوت كانت تمثل عبئًا ماليًا كبيرًا على الخزينة العمومية، ولكن اليوم نشهد تحسنًا ملحوظًا في هذا المجال وهذا راجع إلى الجهود المبذولة في دعم الصناعة المحلية،حيث أصبحت هناك عدة شركات جزائرية تعمل على إنتاج الزيوت محليًا، بحيث هذه الشركات لا تكتفي فقط بتوفير الزيوت للسوق الوطنية، بل تقدم منتجات بجودة عالية تنافس المستورد و نتيجة لذلك، انخفضت فاتورة الاستيراد بشكل كبير، مما يخفف الضغط على الخزينة العمومية ويساهم في تعزيز الاعتماد على الإنتاج المحلي.
فهذا التحول يعكس نجاح السياسات التي تشجع الاستثمار المحلي وتدعم تطوير الصناعات الوطنية، خاصة في المجالات التي كانت تعتمد بشكل كبير على الواردات.
المشاريع الاستثمارية التي تحدثت عنها في الصناعة البتروكيماوية، كم تقدر قيمتها الاستثمارية؟ وهل ستفتح الآفاق أيضا لمناصب شغل؟
المشاريع الاستثمارية في مجال الصناعة البتروكيماوية في الجزائر تُعد من بين الأضخم من حيث القيمة الاستثمارية، حيث تُقدر بمليارات الدولارات فهذه الاستثمارات تهدف إلى تحقيق تحول استراتيجي في القطاع الطاقوي وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال تحقيق قيمة مضافة مرتفعة.
إلى جانب ذلك، من المتوقع أن تساهم هذه المشاريع بشكل كبير في خلق مناصب شغل جديدة ومباشرة، بالإضافة إلى فرص العمل غير المباشرة التي سترافق هذه الاستثمارات فتطوير قطاع البتروكيماويات لا يقتصر فقط على تعزيز إنتاجية القطاع الطاقوي، بل يشمل أيضًا تأثيرًا إيجابيًا على قطاعات أخرى مرتبطة به.
وهذا التوجه يعكس رؤية الجزائر نحو تحقيق تنمية مستدامة، والاستفادة من مواردها الطبيعية عبر تطوير صناعات تحويلية ذات قيمة مضافة عالية، مما يدعم الاقتصاد الوطني ويوفر فرص عمل للشباب.
العديد من الشركات الطاقوية العالمية، أبدت اهتمامها بالاستثمار في الجزائر،
هل هناك مشاريع للشراكة الأجنبية في هذا؟
الجزائر تُعد اليوم وجهة للاستثمارات في القطاع الطاقوي، حيث أبدت العديد من الشركات العالمية اهتمامها الكبير بالاستثمار، مثل “إكسون موبيل” و”شيفرون” من الولايات المتحدة الأمريكية، و”سينوباك” الصينية. بالإضافة إلى ذلك، هناك مفاوضات متقدمة مع شركات كبرى أخرى مثل “توتال”، التي تُعتبر شركة دولية، والشركات الإيطالية التي تمتلك حضورًا قويًا في الجزائر وتُخطط لتعزيز استثماراتها.
كما تجري مفاوضات مع “غازبروم” الروسية، بالإضافة إلى شركة سعودية تُنفذ مشاريع ضخمة في مجال الاستكشاف، مما يبرز آفاقًا واعدة للاستثمار في هذا المجال.
هذه المفاوضات، التي وصلت إلى مراحل متقدمة، تعكس جاذبية البيئة الاستثمارية في الجزائر، خاصة بعد اعتماد قانون الطاقة الجديد الذي ساهم في تحسين الاستثمار وجذب المزيد من الشركاء الدوليين.
انتخاب سلطة ضبط المحروقات كنائب لرئيس جمعية منظمي الطاقة المتوسطي “ميدراج” ما أهمية هذا الإنجاز؟ ماذا تعني المنظمة “ ، وماذا يعكس هذا الانتخاب أيضا؟
تمثل الجزائر اليوم عضوًا فاعلًا ومؤثرًا في قطاع الطاقة المتوسطي، حيث تم انتخاب سلطة ضبط المحروقات كنائب لرئيس جمعية منظمي الطاقة المتوسطي “ميدراج”، وهو إنجاز بارز يعكس المكانة المرموقة التي تحتلها الجزائر على الصعيد الإقليمي والدولي.
تأسست جمعية “ميدراج” في عام 2007 بمبادرة من مجموعة من الدول، من بينها الجزائر، بهدف تعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين سلطات الطاقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط. تضم الجمعية 23 دولة و29 وكالة وسلطة ضبط، وتعمل على تحسين إدارة قطاع الطاقة ودعم مشاريع التحول الطاقوي في المنطقة.
هذا الانتخاب يُعد اعترافًا واضحًا بالخبرة والكفاءة التي تتمتع بها الجزائر في مجال الطاقة، وهو ما يعكس التزامها بالمساهمة الفعالة في تعزيز الاستدامة الطاقوية وتحقيق التحول الطاقوي على مستوى المنطقة. إلى جانب ذلك، يُتيح هذا المنصب الاستفادة من الموارد التي تقدمها الجمعية، بما في ذلك الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي لتنفيذ مشاريع استراتيجية، مثل تقليل البصمة الكربونية وحماية البيئة.
كما يُعد هذا المنصب فرصة لتبادل الخبرات مع الدول الأعضاء والاستفادة من برامج التكوين المجانية التي توفرها الجمعية، مما يُسهم في تطوير المهارات الوطنية وتعزيز كفاءة قطاع الطاقة الجزائري. من المشاريع المهمة التي يمكن أن تستفيد منها الجزائر مشروع غرس 420 مليون شجرة لامتصاص الكربون، وهو مشروع استراتيجي يمكن أن يحظى بدعم كبير من الاتحاد الأوروبي بالنظر إلى أهميته البيئية.
هذا الإنجاز ليس فقط دليلًا على الاعتراف الدولي بدور الجزائر، ولكنه أيضًا خطوة نحو تعزيز حضورها وتأثيرها في صناعة الطاقة العالمية، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الدولي والتنمية المستدامة.
ما هي الإجراءات الجديدة المتضمنة في مشروع قانون أنشطة التخزين و توزيع المنتجات النفطية و متى سيكون جاهز أيضا؟
من بين أبرز المستجدات التي يتضمنها المرسوم الجديد هو إلغاء نظام الطلب التلقائي للاستثمار في توزيع المنتجات النفطية. وبدلاً من ذلك، سيتم اعتماد مخطط تطوير قطاعي يحدد المناطق التي تتطلب استثمارات جديدة، بناءً على دراسات دقيقة للاحتياجات، هذا النظام الجديد سيسمح بتوجيه الاستثمارات بشكل أكثر فعالية لضمان توزيع عادل ومتوازن للخدمات، مع إلزام المستثمرين بتطبيق شروط واضحة ومحددة من خلال دفتر شروط دقيق.
كما يتضمن المرسوم تحديد مسافات إلزامية بين محطات الوقود، لتفادي التكدس في بعض المناطق ونقص الخدمات في مناطق أخرى، إضافة إلى ذلك، يهدف القانون إلى تحسين تنظيم العلامات التجارية للموزعين الخاصين، مع تشديد الإجراءات لضمان الالتزام بالنزاهة والشفافية في عمليات التوزيع، والحد من التجاوزات التي تم تسجيلها في الماضي.
هل القدرات الوطنية للتكرير عبر المصافي قادرة على الاستجابة لهذه الوتيرة المتصاعدة من الوقود؟
فيما يخص إنتاج الوقود، تُظهر الإحصائيات أن الطاقة الإنتاجية تفوق 4,000,000 طن، بينما الاستهلاك الحالي يبلغ تقريبا حوالي 3,600,000 طن ، وبالتالي يتفوق الإنتاج على الاستهلاك في قطاع الغازوال، ويتوقع أن تُحقق سوناطراك نتائج إيجابية من خلال الاستثمارات التي تقوم بها في هذا المجال،و من المتوقع أيضا أن يصل الإنتاج إلى مستويات أعلى في المستقبل القريب لتلبية احتياجات السوق الوطني.
بالرغم من هذا، نجد أن استهلاك الوقود في تزايد مستمر، وهذا يعود إلى عدة عوامل، ولضمان استدامة هذا الوضع، يجب اتخاذ إجراءات عملية لترشيد استهلاك الوقود، ونعني بذلك تشجيع المواطنين على تقليل الاستهلاك بطرق ذكية، مثل استخدام الوقود بشكل أكثر كفاءة.
توفير الوقود يعني استثمار الدولار بشكل أفضل، كما يمكن استغلاله في مشاريع أخرى تساهم في تحقيق الاستدامة و من ناحية أخرى، هناك بعض المناطق النائية التي لم تصلها بعد شبكة الغاز، وهو أمر يجب أن يُعالج ضمن أولويات الاستثمارات المستقبلية لضمان توفير الطاقة لكافة المواطنين.
ما هي الإجراءات المتخذة لإيصال غاز البوتان إلى المناطق النائية؟ و كم يقدر الإستهلاك الوطني أيضا؟
حاليًا، نسبة الربط تقدر بحوالي 67% إلى 68% من المناطق الجزائريةهذا يساهم بشكل كبير في تقليص استهلاك غاز البوتان البروبان وبالتالي لا توجد أزمة في هذا الصدد، حيث يتم تلبية احتياجات العديد من المناطق بكفاءة.
فيما يتعلق بالإجراءات المتخذة لإيصال غاز البوتان إلى المناطق النائية، قامت شركة نفطال بإنشاء مستودعات لتخزين قوارير الغاز في هذه المناطق، خاصة في المناطق التي لا تتوفر على شبكة توزيع الغاز الطبيعي و يتم ملء هذه المستودعات قبل فصل الشتاء، مما يضمن توفر الغاز في تلك المناطق خلال الموسم البارد، وبالتالي تجنب أي مشاكل في التموين.
و على الرغم من التحديات المتعلقة بوصول الغاز إلى بعض المناطق النائية التي تفتقر إلى بنية تحتية للتوزيع، إلا أن برنامج التخزين الذي تم تنفيذه يساهم في ضمان توفر الغاز بشكل مستمر.
بناءً على هذه الإجراءات، يمكن القول إن غاز البوتان متوفر حاليًا في معظم المناطق ولا توجد أزمة كبيرة في تأمينه.
كيف تقيمون أيضا أداء محطات التوزيع الوقود عبر الوطن؟ وهل هناك برامج أيضا للرفض من عددها خاصة مع استحداث ولاية جديدة؟
بالنسبة لأداء محطات توزيع الوقود عبر الوطن، فقد شهدت تحسن ، لكن ما زالت هناك بعض التحديات في بعض المناطق، خصوصًا في الجنوب، خاصة في بعض المناطق النائية.
فيما يتعلق بالبرامج المستقبلية، هناك مخطط وطني للتنمية يحدد الأماكن التي يجب أن تركز فيها الاستثمارات في محطات توزيع الوقود، وفيما يخص استحداث ولاية جديدة، فإنه من المتوقع أن تتوسع الشبكة لتشمل هذه المناطق بما يتماشى مع المخططات التنموية.
بالنسبة للاستثمار في محطات الوقود، لم يعد هناك أي مرسوم يمنع الاستثمار في هذا المجال، على العكس، هناك دعم للاستثمار في محطات الوقود في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في الجنوب، ورغم التحديات الكبيرة في بعض المناطق الحدودية، خاصة من حيث المسافات الطويلة، إلا أن شركة نفطال تواصل استثماراتها في هذه المناطق لضمان توفر الوقود وتلبية احتياجات السكان.
من المهم أيضًا أن يتم اتخاذ التدابير اللازمة للتقليل من ظاهرة التهريب وحماية الموارد الوطنية، وهو ما يتطلب قوانين محددة في بعض المناطق الحدودية. لكن هذا لا يعني أن الاستثمار في محطات الوقود قد تم تعطيله، بل على العكس، يتم تشجيع الاستثمار في المناطق الجنوبية أيضًا، مع ضرورة وضع آليات لتسهيل هذا الاستثمار بشكل فعّال.
ماهي الإجراءات المتخذة لتعزيز منظومة نقل المحروقات عبر الأنابيب
فيما يتعلق بتعزيز منظومة نقل المحروقات عبر الأنابيب، من الضروري أن يكون سعر النقل جذابًا بما يكفي للشركات الأجنبية للاستثمار في هذا القطاع. ولتحقيق ذلك، تقوم سلطة ضبط المحروقات بتحديد و من المهم أيضًا أن يتم تطبيق إجراءات ترشيد فعالة لتقليل التكاليف، بحيث يتمكن القطاع من العمل بكفاءة وبما يعود بالفائدة على الجميع.
بقلم سيرين عليلي
المصدر (الإذاعة الوطنية)
رابط دائم: https://mosta.cc/b8qeg