بقلم: أم كلتوم جبلون
تشكل عمليات تدوير النفايات في الجزائر عاملا خادما للإقتصاد الوطني وحامية للبيئة والمحيط، هذه العمليات تخلق نسيجا جديدا من النشاط ينتج الثروة ومناصب العمل ويحرك عجلة الاقتصاد في البلاد خاصة إذا وظفت التكنولوجيا في خدمة القطاع.
تدوير النفايات أو “الرسكلة” هو عملية تحويل المخلفات إلى منتجات جديدة لها فوائد اقتصادية وبيئية من ناحية خلق ثروات و إنعاش السوق الوطنية على غرار ما توفره مادتي البلاستيك و الورق الناتجتين عن عملية الرسكلة بالجزائروهذا بغرض التخلص من النفايات التي يؤدي تراكمها إلى تهديد صحة الإنسان و البيئة على حد السواء، ناهيك عن التقليل من عملية الاعتماد على المواد الأولية المستخرجة من الطبيعة لإنتاج المنتجات الجديدة، مما ينجر عنه تقليل التكاليف على المنتجين، باعتبار أن أسعار المواد المنتجة من إعادة التدوير أقل بكثير من أسعار المواد الأولية الطبيعية وهذا مايسعي المركز التقني لمعالجة النفايات و إستغلال المياه الصالحة للإستخدام بالبويرة لبلوغه من خلال إستغلال العصارة الناتجة عن النفايات، حيث يعمل المركزعلى جمع كمية كبيرة من النفايات توضع في مساحات خاصة ليتم معالجتها بطريقة تقنية ليستخلص منها الماء الصالح لمختلف الإستعمالات ماعدا الشرب، حيث تقدر الكمية المسترجعة من النفايات مابين 60 إلى 70 طن في اليوم ، أما فيما يخص العصارة المنتجة من العملية فتقدر مابين 24 إلى 25 متر مكعب يوميا تتطلب مدة معالجتها حوالي 8 ساعات عمل يوميا بعدها ينقل السائل المستخلص المعروف “ليكسيفيا” عبر أنابيب ليخزن في أحواض ويتم معالجته مخبريا، ليقوم بعدها المخبر المكلف بإخضاع مايسمي “ليزالسيكا” لأجل عملية التحاليل التي يضاف إليها كل من مادتي” ليكسيفيا و التيراميا” من أجل قياس نسبة الاكسجين فاذا انخفضت نسبته فهذا يؤكد بان البكتيريا غير موجودة ويمكن إستخدامه أما في حال ما لم تنخفض نسبته وسجلت إرتفاعا فهذا يدل على أن الأداة المستخدمة في العملية لا تستجيب للعملية.
من مطامر لجمع النفايات إلى “صانعة للثروات”
تحولت مراكز الردم التقني للنفايات بالجزائر من مطامر لجمع النفايات وتخزينها تحت سطح الأرض إلى منتج ومورد إقتصادي لمادتي البلاستيك والورق، فمن خلال بيع المخزون أضحى بإمكان هذه المراكز ذات الطابع الصناعي و التجاري أن تحقق التمويل الذاتي و كذا إنجاز وحدات للاسترجاع و أيضا تمويل العمليات الخاصة بها، ناهيك عن كونها مصدر إستخلاص المياه الصالحة لمختلف الإستعمالات ماعدا الشرب، لتتحول بذلك إلى نقطة خلق ثروات جديدة متمثلة في مواد أولية بأقل تكلفة من ذلك معالجة عصارة هذه النفايات و استخراج مياه منها ما يمكننا من استغلالها حتى في مجال السقي، ويمكن تعريف عصارة النفايات بالسائل الذي يتجمع أسفل مكب النفايات نتيجة النفايات المتراكمة داخل المكب، أين يتم تصميم هذا الأخير على شكل صحن ليستوعب بداخله جميع الكميات من النفايات الموجهة لهذه العملية ويستخرج منه العصارة عن طريق أنبوب كبير يوصل لتجمع مخصص للعصارة بجانب المكب، ويقوم متخصصون بالإشراف على عملية العصارة الناتجة عن ردم النفايات، حيث يتم التخلص من الشوائب الموجودة داخلها بإستخدام مجموعة من التقنيات التي من خلالها تعالج العصارة لإنتاج مياه يمكن الإستفادة منها لاحقا، ويتم إستغلال المواد التي لايمكن استرجاعها من خلال دفنها في مساحات شاسعة تحت الأرض تتوفر على قنوات تسمح بمرور هذه السوائل التي تنتجها النفايات إلى حوض خاص يتم فيه معالجتها لتصبح بذلك مياه صالحة لتنظيف الأرضيات والعديد من الإستعمالات عدا الشرب.
هكذا تعمل مراكز الردم التقني بالجزائر
تمثل الزيادة المستمرة في كمية النفايات المنزلية و الصناعية التي ننتجها يوميا تهديدا حقيقيا للبيئة و الصحة العامة بالاضافة إلى مخاطر أخرى مرتبطة بالتخلص العشوائي من النفايات ومصيرها الغير منضبط، كلها تداعيات لانرى أثارها على غرار المخاطر المرتبطة بتدهور نوعية الهواء و الطبيعة الضارة لبعض النفايات على صحة الإنسان كتلوث المياه الجوفية وتلوث مصادر المياه بسائل العصارة الخطير الناتج من تحلل النفايات، ومن غازات الإحتباس الحراري مثل غاز الميثان الذي يتم إصداره أثناء عملية إنحلال النفايات العضوية، فالجزائر تنتج حوالي 12 مليون طن من النفايات سنويا، نفايات يشكل مستقبلها و إدارتها تحديا حقيقيا من أجل إدارة هذه النفايات المنتجة إنتقلت الجزائر من إستخدام مكب النفايات البيئي الغير منضبط الذي كانت مخاطره وتأثيراته البيئية كبيرة نحو الإدارة الرشيدة بفضل مراكز الردم التقني وبالتالي ترجمة الوعي الحقيقي لحماية الصحة العامة والبيئة عن طريق وضع الإدارة الكاملة للنفايات الحضرية، حيث تسمح هذه المراكز التقنية بإزالة النفايات والإستفادة منها وفي ظروف متقنة، حيث يوجد في الجزائر 124 موقع تقني لردم النفايات من مختلف الفئات موزعة على التراب الوطني، أين يتم جمع النفايات إلى المركز في شاحنات تجميع مرخصة وفق إجراءات تسمح بتتبع مصادر النفايات ونوعيتها بعد ذلك يتم وزن الشاحنة لتقدير حمولة النفايات وتسجيل الكميات الواردة لتوجه بعدها نحو حظيرة الفرز لإستعادة المواد القابلة لإعادة التدوير وفصل بعض النفايات التي لايمكن دفنها، وبعد ذلك تتابع شاحنات المركز نقل النفايات إلى المكب المهيأ الذي هو في الواقع عبارة عن خناديق تغطيها طبقات من الأغشية العادمة للنفاذية وذلك لضمان حماية المياه الجوفية من ملامسة المادة المرتشحة، توضع النفايات المجمعة في الخندق قبل ضغطها بواسطة ضاغطة أو جرافة مايضمن التكديس الدائم للنفايات المدفونة وبمجرد الوصول للسعة القصوى للخندق يتم إغلاق هذا الأخير عن طريق تثبيت الغطاء النهائي للحد من تسرب مياه الأمطار إلى كتلة النفايات مع زرع الجزء العلوي منها، يتيح بعدها نظام الرصد و إدارة الغاز الحيوي المنبعث من النفايات القضاء على سمية وخطورة غاز الميثان عن طريق حرقه، في الوقت نفسه تضمن شبكة الصرف ضخ المادة المرتشحة في أحواض لمنع تراكمها في الخندق وبالتالي السماح بمعالجتها وتنقيتها و إستبعاد أي تاثير على البيئة والطبيعة، يتم تطبيق برامج للرصد البيئي بإستمرار للتحقيق من مطابقة المراكزومدى تطابقها مع المعايير الوطنية والدولية من أجل ضمان كفائتها و السماح بإدارة متكاملة للنفايات.
من خلال إستغلال القمامة المطمورة لإنتاج غاز الميثان وتوليد الطاقة الكهربائية
” نفاياتنا لإنارة مدننا “
يعكف خبراء الطاقة المتجددة بالجزائر على إعادة بعث الحياة من جديد في النفايات المطمورة تحت الأرض، حيث يتوقع أن تتحول مراكز الردم التقني إلى مصادر لإنتاج غاز الميثان وتوليد الطاقة الكهربائية، كما ستمكن هذه المشاريع مراكز الردم من تحقيق إكتفائها الذاتي من الكهرباء لتكون بذلك في إستقلالية تامة عن شركة سونالغاز، ويعتبر الغاز الحيوي عبارة عن غاز ناتج عن تحلل النفايات العضوية في وسط لاهوائي، يتكون أساسا من غاز الميثان تختلف نسبة H2s و co2 و Ch4 حسب نوعية وعمر النفايات المدفونة في مركز الردم التقني ويتم إستقطاب الغازات الحيوية من حفرة الردم بفضل آبار، أين يعول على تثمين الغاز الحيوي عن طريق مولدات خاصة تقوم بإستهلاكه لإنتاج الطاقة الكهربائية و الحرارية التي يمكن إستغلالها في عدة مجالات، ويسمح مجال إستغلال القمامة في فتح باب الإستثمار من خلال رسكلتها وتدويرها و الإستفادة من ثروتها الطاقوية الناتجة عن إستخراج الغاز الحيوي .
البوابات الرقمية لجمع النفايات وتدويرها … “الحاجة أم الإختراع”
أضحت البوابات الرقمية لجمع وتدوير النفايات تشكل همزة وصل بين جامعي النفايات و الشركات الناشطة، الأمر الذي من شأنه إختصار الوقت والجهد كما تتيح لجامعي هذا النوع من النفايات التواصل مع الشركات لبيعها بغرض إعادة تدويرها واستعمالها مجددا، الأمر الذي من شأنه أن يقلص فاتورة الواردات الوطنية من هذا النوع من المواد الأولية المهمة والضرورية، وهو ماباتت تعول عليه مراكز رسكلة النفايات لما له من إيجابيات تنعكس على عملية دعم الإقتصاد، أين تعيد التكنولوجيا الحديثة والثورة المعلوماتية والرقمنة الحياة لما بات يطلق عليه حاليا “الثروة المدفونة”.
رابط دائم: https://mosta.cc/cqrnp