الديبلوماسية الإقتصادية..تحد جذب الإستثمار ودعم إقتصاد الجزائر
بقلم محمد الصالح براهمي
موازاة والمهام التقليدية، التي تطبع عمل الدبلوماسية الجزائرية،اصبح السلك الديبلوماسي اليوم وأكثر من أي وقت مضى مطالبا باعتماد نهج إقتصادي للإسهام بنجاعة وفعالية في الانتشار الاقتصادي والتموقع ضمن خطة الإنعاش المسطرة لدخول أسواق خارجية سواء كانت في محيط القارة الافريقية او نحو الضفة الاخرى من المتوسط.
وتعمل الجزائر على رفع التحدّ بتحسين من وتيرة الأداء الإقتصادي للبعثات الديبلوماسية الجزائرية، فلم يعد الدبلوماسي في زمن عولمة قلبت الموازين ،إنما مطالب بمواكبة أهداف التحول الإقتصادي سواء محليا او عبر العالم.
وقد أطلقت وزارة الشؤون الخارجية، منذ فيفري الماضي، ثلاثة إجراءات رئيسية في اطار تطوير الدبلوماسية الاقتصادية للبلد، بهدف دعم المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين على التصدير والمتعاملين الأجانب على الاستثمار في الجزائر، حسبما أكده مدير ترقية ودعم المبادلات الاقتصادية بالوزارة رابح فصيح.
و تمثلت هذه الإجراءات بإنشاء مكتب للإعلام وترقية الاستثمارات والصادرات، وتكوين الدبلوماسيين المكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية على مستوى الممثليات الدبلوماسية الجزائرية في الخارج، وكذلك إنشاء قسم ويب في موقع وزارة الشؤون الخارجية مخصص للدبلوماسية الاقتصادية، حسبما أوضح السيد فصيح خلال لقاء صحفي على هامش حفل تدشين مكتب الاعلام و ترقية الاستثمارات و الصادرات من قبل وزير القطاع السابق صبري بوقدوم.
و حسب المدير، فإن مكتب الاعلام و ترقية الاستثمارات و الصادرات، التابع لمديرية ترقية ودعم المبادلات الاقتصادية بالوزارة، يهدف إلى استقبال المتعاملين الاقتصاديين، وخاصة المصدرين، للاستفادة من المعلومات والوثائق المتعلقة بشروط ولوج الأسواق الخارجية.
وأشار السيد فصيح حينها إلى أنه “بالإضافة إلى ذلك، هناك شبكة المكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية يمكن للمتعاملين الجزائريين الاتصال بها على مستوى الممثليات الدبلوماسية الجزائرية بالخارج”، مضيفًا أن هذا المكتب يوفر للمتعاملين معلومات حول المشاريع، والاعلانات عن المناقصة أو مقترحات شراكة بالإضافة إلى تنظيم دورات تكوينية في مجال الدبلوماسية الاقتصادية.
و يتعلق الإجراء الرئيسي الآخر لتطوير الدبلوماسية الاقتصادية للبلد بتكوين الدبلوماسيين المدعوين لشغل وظائف المكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية على مستوى الممثليات الدبلوماسية الجزائرية، من خلال الندوات الأكاديمية في مجال الدبلوماسية التجارية واللغة الإنجليزية للأعمال فضلا عن ندوات مواضيعية أخرى.
“بالإضافة الى ذلك، سيتم تنظيم زيارات ميدانية على مستوى اقطاب التصدير لتمكين الدبلوماسيين الجاري تكوينهم من الحصول على فكرة ملموسة عن إمكانات التصدير الجزائرية و الاطلاع على انشغالات متعاملينا في الميدان”، حسبما أوضح نفس المسؤول.
وقد وضع مؤتمر رؤساء البعثات الديبلوماسية و القنصلية الجزائرية المنعقد بقصر الامم خارطة الطريق الواجب اتباعها لتحقيق نهج إقتصادي جديد مبني على إقتحام الاسواق الأجنبية عن طريق ترويج ديبلوماسي لكل مقومات الإقتصاد الوطني.
“تحول الممثليات الدبلوماسية الى منصات إقتصادية”
أظهر المؤتمر مدى رغبة القيادة العليا في البلاد الى ضرورة تحويل الممثليات الدبلوماسية إلى منصات اقتصادية بامتياز، تتماشى و مصالح الجزائر الرامية الى التموقع في الأسواق العالمية، وهذا بالإصغاء للمتعاملين ورؤساء المؤسسات المنتجين للقيمة المضافة.
كلمة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون خلال هذا الحدث الأول من نوعه ببلادنا، أوضحت المفاهيم الجديدة الواجب إتباعها اليوم بان تكون الدبلوماسية الاقتصادية قاطرة العبور إلى العالمية، انطلاقا من برامج وعمليات ذات جدوى، والمساهمة في تطوير الشراكة متعددة الأقطاب على خلفية توسيع مساحة الصناعة الجزائرية وحماية المنتوج المحلي والتصدير ، خاصة نحو إفريقيا والإتحاد الأوروبي.
دعى رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، السلك الدبلوماسي على ضرورة ابتكار الأساليب والمناهج للتموقع في طليعة الجهود الوطنية الهادفة إلى تعزيز جاذبية الجزائر تجاه الشركات الأجنبية, ودعم المؤسسات الوطنية لولوج الأسواق العالمية, وذلك عبر استطلاع ودراسة أنماط السوق والاستهلاك وتحديد الفرص المتاحة للمنتجات الوطنية الجزائرية.
و أضاف الرئيس تبون, بأن المطلوب “ليس فقط الاهتمام بالانشغالات والاستجابة لاحتياجات جاليتنا, و إنما أيضا تعزيز روابطها مع الوطن و إشراك أفرادها في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا, وكذا في الجهود الرامية لتعزيز مكانة ونفوذ الجزائر على الساحة الدولية”.
وفي السياق, قال رئيس الجمهورية : “جاليتنا المتواجدة في جميع أنحاء العالم, لها من الكفاءات والمهارات ما يمكنها من تقديم إضافة نوعية, لجهود التنمية في بلادنا, وهي مدفوعة برغبة قوية و إرادة كبيرة في سبيل ذلك, ولا تطلب إلا إشراكها في هذا الجهد الجماعي عبر ريادة الأعمال المبتكرة, وتبادل الخبرات والتدريب”.
لذلك, يضيف الرئيس تبون, فإنه من الضروري “وضع الأطر والآليات المناسبة للإشراف على هذه العملية وتمكين أفراد جاليتنا, الذين يتمتعون بإمكانيات هائلة, من تقديم مساهماتهم”.
وأوضح الرئيس تبون أن “العمل الدبلوماسي يجب أن يشكل امتدادا و رافدا لمساعي وجهود الدولة في جميع المجالات”, وبالتالي فإنه “يقع على عاتقكم الاسترشاد باستمرار, بالأجندة الوطنية في إطار جهودكم وعملكم اليومي, فالمصلحة العليا للوطن وسمعته ومكانته وكرامة مواطنينا بالخارج تبقى دائما و أبدا فوق كل اعتبار”.
و اعتبر رئيس الجمهورية أن مؤتمر رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية يأتي في وقته المناسب, كونه يتزامن مع شهر نوفمبر الذي يمثل المرجعية للدبلوماسية الجزائرية التي كرسها إعلان الفاتح نوفمبر.
و أشاد بالدور الذي لعبته الدبلوماسية “التي قدمت مساهمة حاسمة خلال مرحلة التحرير الوطني, الى جانب جيش التحرير الوطني وفي المرحلة التي تلت الاستقلال”, مشيرا الى أنها “سمحت بتشييد الدولة ومواجهة الكثير من التحديات والصعوبات التي قادتها أجيال متعاقبة من الدبلوماسيين المناضلين”.
“الدفع بالشراكات الإستراتيجية”
يرى خبراء أن الديبلوماسية الإقتصادية الناجحة هي التي تعمل بطريقة عقلانية ومتوازنة, تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية مع شركاء رئيسيين في مختلف أقطار العالم، وقد دعا الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن الى ضرورة عمل الجميع لتحقيق مقاربة تحافظ على النسيج الصناعي الجزائري, وتحمي المنتوج الوطني, وتوفر منافذ لمصدرينا بالخارج.
ولتحقيق كل هذه الاهداف أصبح ضروري العمل على إقامة علاقات أكثر توازنا, مع كل الشركاء خاصة مع الاتحاد الأوروبي.
وفي علاقاتها الثنائية مع شركائنا الأوروبيين, لن تتسامح الجزائر مع أي تدخل في شؤونها الداخلية وستظل دوما على استعداد لإقامة علاقات مبنية على الاحترام المتبادل، والالتزام الكامل بمبدأ المساواة السيادية بين الدول وهذا ما حرص على تأكيده الرئيس تبون. منوها للسفراء على ضرورة العمل لتعزيز علاقاتنا مع الدول الأخرى في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وجزر المحيط الهادي، لإعادة التواصل على جميع المستويات وتوسيع علاقات التعاون مع هذه الدول.
كما ألح الوزير الأول، وزير المالية، السيد أيمن بن عبد الرحمان ، البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية بالخارج للقيام بعمل استباقي والتحلي بالمزيد من اليقظة بهدف المرافقة الجيدة للاقتصاد الوطني.
لذلك, يضيف الوزير الأول أن “ممثلياتنا الدبلوماسية مطالبة بأن تقوم بعمل استباقي أكبر وتتحلى بالمزيد من اليقظة, وان تكون في مستوى ما تقتضيه متطلبات المرافقة الجيدة للاقتصاد الوطني على مستوى البيئة الاقتصادية الدولية, وذلك بالمبادرة والبحث عن شركاء حقيقيين وجديين ومستعدين للعمل والتعامل وفق مبدأ رابح-رابح”.
وطلب الوزير الأول من البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية التعريف بمختلف الفرص الاستثمارية والمزايا والتحفيزات التي تقدمها الجزائر في مجال الاستثمار وكذا شرح الإجراءات التي اتخذتها الدولة والاصلاحات الهيكلية الكبرى التي قامت بها من اجل ضمان تسهيل فعل الاستثمار.
“تعزيز جاذبية الجزائر”
الذكاء الديبلوماسي الذي ينبغي على ممثليات الجزائر بالخارج التحلي به يهدف ايضا للتموقع في طليعة الجهود الوطنية الهادفة إلى تعزيز جاذبية الجزائر تجاه الشركات الأجنبية، ودعم المؤسسات الوطنية لولوج الأسواق العالمية، وهو ما كان ضمن توجيهات الرئيس تبون لأفراد السلك الديبلوماسي، حيث أكد على ضرورة استطلاع ودراسة أنماط السوق والاستهلاك وتحديد الفرص المتاحة للمنتجات الوطنية الجزائرية.
ولتعزيز جاذبية الجزائر ايضا يستوجب ان يشكل العمل الديبلوماسي امتدادا ورافدا لمساعي وجهود الدولة في جميع المجالات، وبالتالي، فإنه يقع على عاتق الديبلوماسيين بالخارج الاسترشاد باستمرارالأجندة الوطنية في إطار المصلحة العليا للوطن وسمعته ومكانته وكرامة مواطنيه بالخارج .
وقد دعا الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن إلى إعطاء “صورة حقيقية” على تطور أوضاع بيئة ومناخ الأعمال في الجزائر وإلى العمل أيضا على “تصحيح بعض الصور النمطية المتداولة لدى بعض الترتيبات الدولية في مجالات تنافسية الاقتصاد والتجارة والابتكار والبحث العلمي وغيرها, والتي لا تعكس, في الكثير منها, حقيقة المؤشرات الاقتصادية الوطنية, التي تنفر الاستثمار الأجنبي, وذلك من خلال متابعة دقيقة لهذه الترتيبات والحرص على وصولها إلى المعلومة الصحيحة”.
ودعا الوزير الأول الدبلوماسيين الجزائريين إلى إقامة روابط مع الفاعلين الاقتصاديين الوطنيين, ومعرفة إمكانات الإنتاج والتصدير, والعمل على التكفل باهتماماتهم وتقديم الدعم المناسب لهم.
كما طلب منهم ” إبراز صورة الجزائر التنافسية والجذابة في الخارج ووضع اهتمامات المصلحة الاقتصادية الوطنية في صميم العمل الدبلوماسي من خلال منح أكبر قدر من الاهتمام للعلاقات الاقتصادية, سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف”, وأيضا “انشاء قواعد بيانات اقتصادية وتجارية ووثائق محينة باستمرار تسمح للاستجابة لمختلف الطلبات المتعلقة بالإحصائيات والمؤشرات الاقتصادية”.
وفي نفس السياق, نوه الوزير الأول بالميزان التجاري الذي, كما أشار, “سجل منحى تصاعدي للصادرات خارج المحروقات لأول مرة في تاريخ الجزائر ما يفوق 3,4 مليار دولار في أواخر أكتوبر الفارط”, قائلا أنه “سيتزايد مع زوال الأزمة الصحية والعودة الكلية لنشاط المؤسسات مع احتمال تحقيق فائض في الميزان التجاري في السنة المقبلة”.
وأضاف السيد بن عبد الرحمان أنه ينتظر من الممثليات الدبلوماسية أن تكون “أكثر فعالية وبراغماتية” وان تلعب “دورا هاما” من خلال التعريف بالمنتوج الوطني وجودته, و”مرافقة المصدرين الجزائريين, وربط الاتصال بين المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين ونظرائهم في الدول الأخرى, مع إحاطتهم بالجوانب التنظيمية ذات الصلة بالتبادلات التجارية”.
كما دعا الدبلوماسيين كذلك إلى المساهمة في “إيجاد أسواق خارجية للمنتجات الوطنية القابلة والموجهة للتصدير, لاسيما في بلدان الجوار, أين يجري العمل حاليا على فتح المعابر الحدودية, وإنشاء منصات لوجيستية ومناطق حرة على مستوى الولايات الحدودية”.
وأكد السيد بن عبد الرحمان, في هذا السياق,على أهمية اثراء وتحيين الأطر القانونية التي تحكم المبادلات التجارية للبلاد مع الدول الأخرى, خاصة فيما يتعلق بالأحكام التي تسهل ولوج المنتجات الوطنية إلى أسواق هذه الدول, وهذا من خلال رصد المعوقات والعمل على تذليلها وتنشيط مجالس رجال العمال, وتكثيف المعارض والتظاهرات التجارية الرامية إلى التعريف بالمنتوج الجزائري خارج البلاد.
“وضع أطر ملائمة لإستقطاب الجالية”
أهم ما حرص عليه رئيس الجمهورية خلال المؤتمر هو الجالية الوطنية بالخارج، التي لدى الكثير من أفرادها إمكانات هائلة قادرة على خدمة الوطن الأم، ولهذا الغرض فأصبح لزاما وضع الأطر والآليات المناسبة لتمكين أفراد جاليتنا، الذين يتمتعون بكفاءات من تقديم مساهماتهم فالمطلوب هنا وفق توجيهات الرئيس “ليس فقط الاهتمام بالانشغالات والاستجابة لاحتياجات جاليتنا, و إنما أيضا تعزيز روابطها مع الوطن و إشراك أفرادها في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا, وكذا في الجهود الرامية لتعزيز مكانة ونفوذ الجزائر على الساحة الدولية”.
ومعلوم ان الجالية الجزائرية المتواجدة في جميع أنحاء العالم ، لها من الكفاءات والمهارات ما يمكنها من تقديم إضافة نوعية, لجهود التنمية في الجزائر وهي مدفوعة برغبة قوية و إرادة كبيرة في سبيل ذلك, ولا تطلب إلا إشراكها في هذا الجهد الجماعي عبر ريادة الأعمال المبتكرة، وتبادل الخبرات والتدريب.
الدبلوماسية الاقتصادية الجزائرية، حماية للمصدرين
أكد السفير و المستشار بوزارة الشؤون الخارجية، إسماعيل بن عمارة، أن استراتيجية التنمية للدبلوماسية الاقتصادية للبلاد التي بادرت إليها وزارة الشؤون الخارجية من أجل ترقية الاستثمار و التصدير خارج المحروقات تشكل “حماية” للمصدرين الجزائريين.
و أبرز بن عمارة في كلمة ألقاها في لقاء ضم دبلوماسيين جزائريين و مستثمرين بولاية قسنطينة إلى أهداف الدبلوماسية الاقتصادية الداعمة للمتعاملين الاقتصاديين الوطنيين في مجال التصدير و المتعاملين الأجانب للاستثمار في الجزائر.
كما ألح السيد بن عمارة على أهمية جعل فعل التصدير محورا أساسيا ضمن برنامج عمل المؤسسات الجزائرية مؤكدا أن التصدير عملية جماعية يشترك فيها كل المتدخلين المعنيين، موضحا بأن شبكة المكلفين بالشؤون الاقتصادية و التجارية بالبعثات الدبلوماسية الجزائرية إلى الخارج ستعمل وفق ديناميكية الدبلوماسية الاقتصادية على “ضمان المرافقة اللازمة من أجل تطوير و إنجاح الصادرات”.
رابط دائم: https://mosta.cc/rjup8