شرع رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، منذ يوم أمس الأربعاء 25 ماي، في زيارة دولة إلى إيطاليا تدوم 3 أيام، وهي الزيارة التي أشارت رئاسة الجمهورية الجزائرية إلى أنها ستكتسي طابعا إقتصاديا، ما يوحي بانها ستشهد إمضاء إتفاقيات وإعلان تعاون ثنائي يشمل عديد المجالات، وفي طليعتها إقتصاد المعرفة والمؤسسات المصغرة.
في هذا الحوار الذي خص به الخبير الإقتصادي الدكتور عبد القادر سليماني جريدة المستثمر، نعود بالأرقام والتحليل للعلاقات الإقتصادية الجزائرية الأيطالية وسبل تطويرها، خاصة في ظل التحولات الإقليمية والدولية، ومخطط الإقلاع الإقتصادي في الجزائر
- يشرع رئيس الجمهورية اليوم الأربعاء في زيارة إلى جمهورية إيطاليا ستكون بطابع إقتصادي، بداية، إذا أمكن نبذة عن التعاون الإقتصادي الجزائري الإيطالي ما قبل الزيارة.
بالنسبة للعلاقة الإقتصادية الجزائرية الإيطالية، هي علاقة قديمة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، منذ إبرام عقد بين شركة سوناطراك وشركة إيني، سنة 1971، وأنبوب الغاز الذي يمر مباشرة من الجزائر إلى إيطاليا، والذي يمون إيطاليا بتقريبا 35 بالمائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي، قدرته تصل إلى تقريبا 30 مليار متر مكعب.
حجم العلاقات التجارية بين الجزائر وإيطاليا هي تقريبا في حدود 6 مليار دولار، إذ تصدر الجزائر إلى إيطاليا منتجات بترولية وغاز بنسبة 90 بالمئة، و10 بالمائة بعض المنتجات الفلاحية والتمور، بينما الجزائر تريد من إيطاليا تجهيرات وآلات.
حجم الإستثمارات ربما هناك نقطة خصوصية، إذ أن 99 بالمئة من الإستثمارات الإيطالية في الجزائر في مجال الطاقة، عبر شركة إيني وفروعها.حجم الإستثمارات الإيطالية في الجزائر هو في حدود 7 مليار دولار، وتقريبا كلها في الغاز والبترول.
وخارج الطاقة، تبلغ قيمتها حوالي بين 100 و200 مليون دولار.
هذه الخصوصية، ربما هي التي دولة الجزائرية تسعى إلى رفعها، عبر زيارة الإستثمارات الإيطالية خصوصا في مجالات الصناعة وربما الفلاحة، وقطاعات أخرى، وهذا ما سنراه كنتائج لزيارة الرئيس تبون إن شاء الله.
وحتى بالنسبةلإستثمارات شركة إيني في الجزائر، فيمكن أن تزيد، فاليوم هناك مثلا إتفاقية بين إيني وبريتيش بتروليوم من اجل شراء الأخيرة، غيني تريد شراء أصول شركة بريتيش بتروليوم في الجزائر، والتي تقدر قيمتها بـ 6.8 مليار دولار، وهي صفقة كبيرة، إذ يمكن أن تصل بذلك استثمارات إيني في الجزائر إلى حدود 15 أو 16 مليار دولار، وهذا أمر مهم.
إيطاليا كذلك شريك مهم في الطاقات الجديدة والمتجددة، خصوصا في مجال الهيدروجين الأخضر والبنزين النظيف، الطاقات المتجددة. كذلك حتى في الإستثمارات، اليوم سوناطراك تسعى لإستثمار حوالي 40 مليار دولار في حدود 2024، وإيني ربما ستنال حصة الأسد من تلك الإستثمارات. فإيني تعد أول شريك استراتيجي لسوناطراك.
- بيان رئاسة الجمهورية حول الزيارة أكد أنها بطابع اقتصادي، ما هي يا ترى الملفات التي ستطرح؟
زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى إيطاليا والتي تدوم 3 أيام وتضم وفد هام، حكومي ومن رجال أعمال، وتدخل في إطار الزيارات “المكوكية” التي يقوم بها السيد رئيس الجمهورية، من اجل تفعيل دور الدبلوماسية والإستثمار في المكانة السياسية الجزائرية من اجل الوصول إلى شراكات استراتيجية مع الدول الحليفة، والدول الصديقة التي أبانت أنها ذات مصداقية، آمنة ويمكن الإعتماد عليها، فبعد زيارته إلى دول الخليج ومصر ثم تركيا، وكذلك تونس، واليوم زيارة إلى ايطاليا، ورمبا في قادم الأسابيع زيارات اخرى إلى الصين وإلى روسيا.
فاليوم الدولة الجزائرية تضع ورقة طريق، أو رؤيتها على الأقل، لشركائها الإستراتيجيين، وحتى الجزائر اليوم تسعى إلى الوصول للإمتياز في شراكاتها الإستراتيجية مع دول صديقة في إطار جيوسياسي كبير، وتغيرات وتعدد قطبي، فالكل اليوم أصبح يبحث عن تموقع سياسي، وعن تموقع خصوصا اقتصادي.
الزيارة إلى إيطاليا لديها عدة أبعاد، فالعلاقات الجزائرية الإيطالية كانت دائما تتسم بالمتانة والقوة، فإيطاليا هي صديقة الجزائر، حتى إبان الثورة التحريرية، والكل نتذكر الشخصية القوية وصديق الثورة الجزائرية الإيطالي إنريكو ماتي، والذي يحمل اسمه انبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا. وأنا كإقتصادي أرى أن الزيارة تحمل أبعاد إقتصادية كبيرة، لتمتين العلاقات الإقتصادية الجزائرية الإيطالية، حتى السيد رئيس الجمهورية كان قال “أنا أرى في النموذج الإيطالي نموذج يمكن الإقتداء به، خصوصا في القطاع الصناعي، فاليوم إيطاليا هي أول دولة أوروبية في مجال الشركات الصغيرة والمتوسطة، إذ تملك 5 ملايين شركة صغيرة ومتوسطة، تشغل 81 بالمائة من القوة العاملة في إيطاليا، وتساهم في قرابة 62 بالمائة من حجم الإقتصاد الإيطالي.
إيطاليا اليوم هي أول زبون للجزائر في الإتحاد الأوروبي، وثاني مُصدّر، فالعلاقات الإقتصادية وثيقة وعميقة ويمكن ترجمتها إلى استثمارات اخرى، وهذا ما تسعى إليه الحكومة الجزائرية، خاصة في ظل قانون الإستثمار الجديد، فإن إيطاليا سوف ربما تأخذ حصة الأسد، خصوصا في مجال النسيج الصناعي، فالجزائر ترى في إيطاليا نموذج للإقلاع الإقتصادي وخلق نسيج صناعي مبني على الشركة الناشئة والصغيرة، في إطار المناولة. نعرف اليوم أن إيطاليا عندها مكننة كبيرة وتحكم كبير في التكنولوجيا، وتعتبر الثانية في أوروبا بعد ألمانيا، فلذلك عديد من التجهيزات، خصوصا بعد دخول القانون الذي يسمح بإستيراد مصانع جاهزة، فإيطاليا يمكن أن تكون ممون كبير للجزائر في هذا المجال، خصوصا الصناعات التحويلية في البلاستيك ومواد التغليق والمواد نصف المصنعة والمواد البيتروكيماوية، فهناك العديد من مجالات التعاون الصناعي بين الجزائر وإيطاليا
حجم صادرات إيطاليا يقدر بـ 514 مليار دولار، ويأتي من الزراعة، الفلاحة، الصناعات الصغيرة والمتوسطة، الكيماويات، النسيج والمعادن، هذا التنوع الكبير يجعل إيطاليا تحتل المكانة الإقتصادية المذكورة (الثالثة أوروبيا والثامنة عالميا)، ولذلك النموذج الإيطالي في تنوع مصادر دخله يعتبر نموذج مناسب لتبني نقاطه الإيجابية.
إيطاليا تملك كذلك مداخيل أخرى مثل السياحة، الموضة، النسيج، الإتصالات وهو قطاع جد متطور، بالإضافة إلى قطاع “الستارتاب” أو الشركات الناشئة والذي يختص بالتكنولوجيا الحديثة، بالإضافة إلى كون إيطاليا عضو مهم في حلف الأطلسي ومجموعة الثمانية ومجموعة العشرين، فالجزائر عندما يكون عندها حليف استراتيجي متميز مثل إيطاليا يفتح أمامها الباب لتحقيق سيادتها الإقتصادية، بتبني النموذج الإيطالي، خصوصا في القطاع الصناعي والمناولة، ووفق رأيي فإن الآفاق موجودة، بتأهيل بيئة إقتصادية وإعتماد مناخ اعمال جزائري يكون مستقطب للإستثمارات الإيطالية فيمكن ربما في رؤية الجزائر الجديدة 2024 أن ننعش الإقتصاد بتبني هذا الخيار، مع نماذج أخرى في مجالات أخرى، مثلا الخيار التركي في صناعة الحديد والصلب أو الخيار الصيني في مجال الفوسفات والمناجم، الألمان في التكنولوجيا وصناعة السيارات ومع روسيا كذلك.
- بالنسبة للغاز، الحرب الروسية الأوكرانية أيقضت أوروبا على واقع ضرورة البحث عن مصادر متعددة للتموين بالغاز، كيف للجزائر أن تنتهز الفرصة على المدى القريب والبعيد؟
بالنسبة للغاز، الجزائر أبانت عن صدق نواياه، والجزائر كذلك تريد تعزيز حصتها السوقية على الأقل في جنوب أوروبا، خصوصا بعد الأزمة مع إسبانيا، إيطاليا أصبحت ربما أكبر زبون للغاز الجزائري في أوروبا، ووفق ما أسفرت عنه زيارة الوزير الأول الإيطالي منذ تقريبا شهرين، توجد إمكانية للوصول إلى 30 مليار متر مكعب عبر أنبوب الغاز، وكما نعرف فالجزائر تصدر قرابة 40 مليارمن الغاز، من إنتاج في حدود 90 مليار متر مكعب، فالشريك الإيطالي اليوم يسعى إلى تعزيز قدرات الجزائر الإنتاجية من الغاز خصوصا في حقول حاسي الرمل وحقول بركين وعديد الحقول الأخرى، وكذلك الدخول في استكشافات جديدة، وهو ما يكلف استثمارات كبيرة، لذلك الجزائر اليوم تدعو الأوروبيين، خصوصا إيطاليا، إلى الدخول والتنقيب والإستكشاف والإستثمار في البنى التحتية والأنابيب من أجل تعزيز قدرات الجزائر الإنتاجية، وزيادة حجم صادراتها من الغاز، فالجزائر اليوم تمول أوروبا بـ 12 بالمائة من حجم حاجياتها، وتسعى إلى استغلال الغاز المسال، والذي يتم تكريره في سكيكدة أو أرزيو بوهران، فإيطاليا دائما تعتبر شريك مهم في مجال الغاز والبترول.
إيطاليا ذكية جدا، فبعد ما حصل بين الجزائر وإسبانيا، إيطاليا أصبحت رقم مهم في قطاع الغاز بأوروبا، فحجم كبير من الغاز الجزائري الذي يمر نحو أوروبا، يمر عبر إيطاليا، ونتحدث هنا، كما ذطرت سابقا، عن 30 متر مكعب، زائد الغاز المسال والبترول، وهو ما يجعل إيطاليا قاعدة خلفية للطاقة في أوروبا.
- رئيس الجمهورية تحدث سابقا عن تبني النموذج الإيطالي فيما يخص المؤسسات المصغرة والناشئة، ما هو هذا النموذج؟, وكيف يمكن استنساخه في الجزائر؟
بالنسبة لتبني النموذج الإيطالي في النسيج الصناعي، الحديث ليس عن نقل حرفي، بل عن أخذ ما يفيدنا من النموذج الإيطالي، إذ تملك إيطاليا المكننة، وتملك التحكم في التكنولوجيا، وكذلك التكوين والخبرات، وهناك مجالات أين إيطاليا تتميز، كمادة البلاستيك وصناعة السيارات وربما صناعة الدراجات النارية، وصناعات أخرى ربما السفن والتجهيزات الإلكترومنزلية، فالجزائر تريد اخذ الإيجابيات، خصوصا ان إيطاليا اليوم تعتبر 3 أكبر إقتصاد في أوروبا، وفي المرتبة الثامنة عالميا، بحجم ناتج خام محلي يقدر بألف وست مائة وخمسون (1650) مليار دولار، يعني إقتصاد ضخم جدا، تقريبا 63 منه، مداخيله من الشركات الصغيرة والمتوسطة.
5- هناك حديث كذلك عن التعاون الفلاحي بين البلدين، كيف ذلك وأي نجاعة منتظرة له؟
بالنسبة للقطاع الفلاحي والزراعي في إيطاليا فإنه يملك إنتاجية كبيرة جدا، وتعتبر إيطاليا من أكبر المصدرين في مواد الفلاحة عالميا، إيطاليا لديها الماحصيل القمحية بكثرة، وكذلك محاصيل متعددة في الخضر والفواكه مثل العنب، لأن مناخها متنوع، البحر الأبيض المتوسط في الجنوب، ومناخ أوروبي قاري في الشمال، وهذا يعطيها ثروة غابية وزراعية كبيرة ومتنوعة.
أما في مجال تربية الحيوانات، فقد تمكنت إيطاليا من تحقيق الإكتفاء الذاتي في مجال اللحوم، خصوصا الأبقار، كما أنها معروفة بإنتاج الحليب واللحوم المتنوعة. والجزائر بإمكانها الإعتماد على الأسلوب الزراعي والفلاحي الإيطالي، خصوصا في زراعة القمح والحبوب، خصوصا أن إيطاليا لديها مكننة زراعية من الأحسن والأحدث في العالم، مثل ماكنات الحصاد والجرارات، فالنموذج الإيطالي في مجال الزراعة والفلاحة، خاصة في مجال الحبوب والمزارع النموذجية لتربية الأبقار والعجول، وإنتاج الحليب والأجبان، وكما هو معروف الأجبان الإيطالية هي أجود ألأجبان، وكذلك الشوكولاطة.
الفلاحة في إيطاليا تاخذ مراتب كبيرة وتساهم بقوة في الدخل العام الإيطالي، قد يصل حتى 33 بالمائة من الناتج المحلي الخام.
رابط دائم: https://mosta.cc/dw0en