بقلم ندى عبروس
يواجه العالم أزمة غذاء خطيرة بسبب الأحداث عالمية الصدى السائدة في أوكرانيا ، و التي أدت إلى إرتفاع جنوني لأسعار الحبوب و القمح ، وهذا بعد إندلاع الحرب بين روسيا أوكرانيا ، و اللتان تعتبران من أهم البلدان المصدرة للقمح في العالم .
تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية عطلت من إمدادات الدول العربية بمادة القمح ، إذ تعتمد بعض الدول بشكل كبير على إستيراد هذه المادة الحيوية من روسيا و أوكرانيا .
مما جعل هذه الحرب تشكل خطرا على الدول العربية التي تستورد غذائها من الخارج ، منذرة بتفاقم انعدام الأمن الغذائي في العديد من هذه الدول ، وهذا ما سيترتب عنه مجاعة وحتى حدوث حروب أهلية .
رغم هذه الأزمة الدولية الراهنة التي يعيشها العالم بسبب “حرب القمح” ، إلا أن بعض الدول توجهت إلى تقليص حاجياتها من استيراد هذه المادة الأساسية التي تدخل في غذاء كل الشعوب .
فكانت الجزائر من بين هذه الدول التي رفعت التحدي من أجل مواجهة أزمة الغذاء التي تعيشها أغلب الدول العربية على غرار مصر، و التي تعد أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، ذلك أنها وحدها تستورد 10.6% من مجموع صادرات القمح العالمية .
فقد لجأت الجزائر إلى تقليص وارداتها من مادة القمح كخطوة أولى لمواجهة هذه الأزمة العالمية ، و توجهت إلى الفلاحة الصحراوية و إستغلال الأراضي الشاسعة في الجنوب من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي للقمح .
روسيا .. عنصر مهم و فعال في سوق القمح العالمي
قال أستاذ الإقتصاد الزراعي بجامعة تولوز ، السيد لطفي غروناط ، في تصريحات إعلامية ، أنه كانت هناك حالات من الرعب و الترقب في العديد من الدول ، بسبب الصراع الجيوسياسي بين روسيا و أوكرانيا و ما سيتنج عنه من أزمة غذاء و نقص في الامدادات بالقمح لهذه الدول ، و إرتفاع أسعار الحبوب و القمح ، مشيرا إلى أن هناك أقل من عشرة دول هي المسيطرة حاليا على غذاء العالم .
و أضاف أستاذ الإقتصاد الزراعي بجامعة تولوز ، السيد لطفي غروناط ، أن هناك عوامل أخرى لإرتفاع أسعار القمح ، من بينها معاناة الصين و عدم إستقرار أمنها الغذائي ، لأنها هي من كانت تحدد أسعار القمح قبل إندلاع الحرب بين روسيا و أوكرانيا.
و أشار لطفي غروناط إلى أن النموذج الفلاحي الروسي أصبح نمودج عملاق في أقل من عشرين سنة ، و قبل مجيء الرئيس الروسي بوتين ، كانت روسيا تستورد كل حاجياتها ، و اليوم روسيا بعد ضمها للأراضي الشمالية في سيبيريا ، أصبحت أكبر المصدرين لكل المواد تقريبا و حتى الأسمدة .
و أوضح لطفي غروناط في ذات التصريح أن النتائج التي وصلت إليها روسيا كانت بتطبيقها تقريبا لنفس السياسة الإقتصادية الفلاحية الأمريكية ، لأن أمريكا كانت في مرحلة كان لديها فائض في الإنتاج و هذا الفائض تم تصديره بأسعار مغرية للعديد من الدول ، بالتالي هذه الدول أصبحت تابعة للولايات الأمريكية المتحدة لأن المواد المستوردة نافست الإنتاج المحلي ما جعلها تتخلى عن سياسة التنمية في بلادها .
و في هذا الصدد قال المتحدث ذاته أن دول شمال إفريقيا ، تعد من أول المستوردين لمادة القمح بأكثر من ثلاثين مليون طن لتغذية أكثر من 500 مليون نسمة .
روسيا و أوكرانيا يستحوذان على أكثر من 30 بالمائة من صادرات القمح العالمية
قال خبير في الأمن الغذائي ، السيد عيسى منصور ، في تصريح صحفي، أن روسيا تحتل المرتبة الثالثة في إنتاج القمح بعد الصين و الهند ، و المرتبة الأولى في تصدير القمح لأنها تصدر حتى 40 مليون طن ، فيما تصدر أوكرانيا ما بين 16 و 17 مليون طن ، و هذا يدل على وجود تباين واضح بين البلدين .
و أضاف الخبير في الأمن الغذائي ، السيد عيسى منصور ، أن نسبة الإمدادات بين أوكرانيا و روسيا تفوق بين 30 و 34 بالمائة من صادرات القمح ، و هذا يدل على سيطرتهما على السوق الدولي للقمح ، مشيرا أن 175 مليون طن التي تطرح سنويا للتجارة الدولية ، هناك ما يقارب 60 مليون طن يكون قادم من هاتين الدولتين ، و لهذا لهما وزن ثقيل على السوق الدولي .
أوضح عيسى منصور في ذات التصريح ، أن روسيا و أوكرانيا لهما وزن ثقيل جدا في السوق الدولي للقمح ، وأنه في حال حدوث أي إختلال تموين السوق من طرف هاتين الدولتين ، فسيكون هناك نقص كبير في السوق لهذه المواد ، التي بإمكانها خلق أزمة عالمية.
مواجهة المجاعة و تخلي بعض الدول على القمح كمادة غذائية
الصراع الجيوسياسي أثر بشكل كبير على إمدادات بعض الدول بمادة القمح ، ما جعل دول شمال إفريقيا تتخلى على القمح كمادة غذائية لمواجهة المجاعة .
أكد الخبير في الأمن الغذائي ، السيد عيسى منصور ، في تصريح صحفي ، أن المنطقة الأكثر عرضة للمجاعة هي إفريقيا ، لأن إمدادات بالقمح للعديد من الدول الإفريقية تفوق 50 بالمائة من أوكرانيا و روسيا ، و هناك دول في العالم تعتمد بنسبة 100 بالمائة على القمح الروسي ، وهناك دول تعتمد على 30 بالمائة من القمح الروسي و 70 بالمائة من القمح الأوكراني ، على غرار العديد من الدول العربية من بينها اليمن و سوريا و كذا تونس التي تعتمد حوالي 60 بالمائة على القمح الأوكراني ، وكذا السودان و مصر .
و في ذات السياق ، أضاف الخبير في الأمن الغذائي ، عيسى منصور ، أنه مع الشح في امدادات القمح ، دولة مصر إعتمدت على خفض وزن الرغيف ، و في حال تم رفع سعره سيخلف إضطرابات ، خاصة و أنها عرفت هذا المشكل في الثمانينيات من القرن الماضي ، أين تم رفع سعر الرغيف ، كانت هناك إضرابات و لم تهدئ إلا بعد خفض السعر .
كما أكد المتحدث ذاته ، أن اللا إستقرار في إمدادات القمح وتفاقم أزمة الغذاء سينتج عنها مجاعة و إضطرابات سياسية عديدة .
و عن تصدير كميات القمح الموجودة في أوكرانيا إلى الدول المحتاجة ، قال ممثل برنامج الأغذية العالمي في الجزائر، السيد عماد خنفير ، في تصريحات إعلامية ، أن من بين الإستراتيجات التي فكر فيها برنامج الغذاء العالمي ، هي إخراج القمح الموجود في أوكرانيا ، و تصديره للدول المتحاجة لهذه المادة في العالم ، لكن مع الحرب الموجودة في أوكرانيا و إنعدام اليد العاملة ، هذا صعب المهمة ، مشيرا أن الموانئ و السكك الحديدية هي الأن تستعمل بصفة عسكرية لا يمكن إستعمالها في طريقة إنسانية أو إقتصادية ، لأن الأماكن و المخازن الإستراتيجية محاصرة .
العالم مهدد بأزمة تجويع غير مسبوقة
قال ممثل برنامج الأغذية العالمي في الجزائر، السيد عماد خنفير ، أن العالم حاليا يعيش أزمة غير مسبوقة ، و لأول مرة يصل إلى أزمة غذاء عالمية ، فما كاد يلتقط انفاسه بعد خروجه من الأزمة التي كانت خلال السنتين الماضيتين بسبب جائحة كورونا ، حتى ظهرت الحرب الأوكرانية – الروسية التي فاقمت من الأزمة السابقة .
و أوضح ممثل برنامج الأغذية العالمي في الجزائر ، السيد عماد خنفير ، أن برنامج الغذاء العالمي كان يساعد 147 مليون شخص في العالم ، و بأزمة كورونا وصل إلى مساعدة حوالي 300 مليون شخص في العالم ، مشيرا أن مع الصراع السائد في أوكرانيا ، كل البوادر تشير على إرتفاع عدد الأشخاص المحتاجين للمساعدات ، و قد يصل إلى 600 مليون شخص في العالم ، وهذا ما يشكل حالة غذائية صعبة تحتاج إلى إعانات غذائية طارئة .
الجزائر بعيدة جدا عن أزمة الغذاء و تسعى لتحقيق إكتفاءها الذاتي للقمح
أكد الخبير في الأمن الغذائي ، السيد عيسى منصور ، في تصريحات إعلامية ، أن الجزائر بعيدة جدا عن أزمة الغذاء التي تضرب العالم من حيث الكمية ، و قد تضطر لدفع أكثر للإستيراد و لكن لا تجد مشكل في هذا ، موضحا أن كل من أوكرانيا و روسيا لا يمثلان موردان أساسيان للقمح للجزائر .
و أضاف الخبير في الأمن الغذائي ، عيسى منصور ، هذه الأزمة هي بمثابة درس للجزائر من أجل أن تضع هذه الشعبة كشعبة إستراتيجية أولية ، و يجب عليها كسب حرب القمح بأي طريقة و أي ثمن .
و في ذات السياق ، قال عيسى منصور أنه في الوقت الراهن حتى تصل الجزائر للإكتفاء الذاتي أو تطوير من هذه الشعبة، لابد من التخلص من التبعية للخارج ، فنحن لا نزال تابعين للخارج ، إذا تحدثنا عن القمح كمادة نهائية فإن المدخلات 80 بالمائة نستوردها من الخارج لذلك دائما هناك تبعية للخارج ، مشيرا إلى ان الجزائر لن تتأثر بحجم كميات القمح ، و إنما ستتأثر من حيث الأسعار .
و من جهة أخرى قال المتحدث ذاته، أن صراع بين روسيا و أوكرانيا هو حرب ذات حدين ، حرب عسكرية و حرب غذائية ، و عند حدوث حرب بين دولتين ، كل الدول تنقسم و تنحازإلى أحد المعسكرين ، و هذا ما سيخلق نوع من التصنيف لهذه الدول كعقاب على مواقفها ، مشيرا إلى أن الغذاء لا يجب إستعماله كسلاح لمن لا يساند في الرأي .
رابط دائم: https://mosta.cc/ey1qt