بقلم: مليكة .ب
تحول الاهتمام الجزائري في الفترة الأخيرة تجاه الاقتصاد بالبحث عن بدائل للنفط والرفع من التصدير خارج المحروقات وخلق نموذج اقتصادي مبني على الإنتاج ومساير للرقمنة، وفي هذا الإطار تم إطلاق حزمة من الإجراءات من أجل دعم المتعاملين الاقتصاديين المحليين على التصدير والمتعاملين الأجانب على الاستثمار في الجزائر.
و تقول الاحصائيات أن الاهتمام الذي توليه الحكومة للصادرات و عزم السلطات العليا في البلاد على جعل الصادرات خارج المحروقات محركا حقيقيا لنمو الاقتصاد الوطني، بدأ يعطي اكله، بعد أن تميزت أداءات الاقتصاد الجزائري بارتفاع قيمة الصادرات خارج المحروقات, التي ناهزت 4,5 مليار دولار في نهاية شهر نوفمبر الماضي وهو مستوى غير مسبوق منذ الاستقلال.
الانطلاق نحو تنويع النشاطات الاقتصادية
إن التوجه المتبع في السنوات الاخيرة نحو تنويع النشاطات الاقتصادية والتجارية من اجل ادماج نموذج اقتصادي جديد يقوم على خلق القيمة المضافة، يؤكد عزم الدولة في الخروج تدريجيا من التبعية للمحروقات، وقد كانت رسالة رئيس الجهورية, عبد المجيد تبون, واضحة عندما أكد في أحد اللقاءات على ضرورة تقليص تبعية الاقتصاد لمداخيل المحروقات إلى 80 بالمائة على المدى القصير مقابل 98 بالمائة في السنوات الأخيرة، ولهذا, فان تغيير تسمية الوزارة التي يشرف عليها كمال رزيق, لتصبح منذ شهر جويلية المنصرم وزارة التجارة وترقية الصادرات لم يكن عبثا.
وتشير الارقام الى ان هذه السياسة الجديدة قد بدأت تجني ثمارها, إذ ان الصادرات خارج المحروقات مثلت 12,3 بالمائة من مجموع عمليات الصادرات التي تمت خلال الاشهر الثمانية الاولى من السنة الماضية, حسب المعطيات التي قدمتها الوزارية الوصية.
حوافز و مزايا في سبيل تعزيز الصادرات خارج المحروقات
يرى المتتبعون للشأن الاقتصادي أن تحقيق هذه النتيجة تم بفضل مجموعة من الإجراءات التحفيزية التي تشمل على وجه الخصوص إنشاء أروقة خضراء مخصصة للصادرات ومزايا ضريبية وتسهيلات إدارية بالإضافة إلى تعزيز دور الدبلوماسية الاقتصادية في الترويج للمنتجات الجزائرية في الخارج.
ومن بين الحوافز التي سمحت بتعزيز الصادرات خارج المحروقات أيضا، هو التنظيم الجديد لبنك الجزائر والذي يسمح للمصدرين بالحصول على جميع المداخيل من العملة الصعبة الناتجة عن أنشطتهم، بالإضافة إلى ذلك, يعفي نظام البنك المركزي من إجراءات التوطين البنكي صادرات الخدمات الرقمية وكذا تلك المتعلقة بخدمات الشركات الناشئة والمهنيين غير التجاريين، من جهة أخرى, تمكن المتعاملون الاقتصاديون الناشطون في مجال الصادرات من تثمين جودة منتجاتهم والتعريف بها بفضل زيادة مشاركتهم في المعارض الإقليمية والقارية، وفي هذا الإطار, تم تنظيم العديد من التظاهرات على المستوى الوطني المخصصة للتصدير, مثل معرض الاستيراد والتصدير الإفريقي، ومعرض المنتجات الجزائرية المخصصة للسوق الليبي, والمعرض الدولي للتصدير والخدمات اللوجستية، وعلى الصعيد الدولي, شاركت الجزائر في عدة تظاهرات من بينها معرض دكار الدولي (السنغال), المعرض التجاري الأفريقي البيني الذي نظم في مدينة دوربان (جنوب إفريقيا) أين فاز الجناح الجزائري بجائزة أفضل جناح رسمي, وهي جائزة جائت لمكافأة “جودة المنتجات والخدمات المقدمة, بالإضافة إلى الاقبال الكبير المتعاملين الاقتصاديين والزوار الأجانب”.
اتفاقات الشراكة خطوة أخرى لتطوير الصادرات
ومن اجل تحفيز الصادرات خارج المحروقات و تطويرها، فان الدولة تراهن على مختلف اتفاقات الشراكة والتبادل الحر التي صادقت عليها الجزائر, لاسيما مع الاتحاد الاوروبي والبلدان الافريقية الموقعة على اتفاق منطقة التبادل الحر القارية, وكذا البلدان العربية المعنية باتفاق المنطقة العربية الكبرى للتبادل الحر.
وفي هذا الصدد, سبق لرئيس الجمهورية, أن دعا الى مراجعة بنود اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الاوروبي الموقع في سنة 2002 ودخل حيز التطبيق في سنة 2005, “بندا بندا”, وحسب “رؤية سيادية ومقاربة رابح-رابح”.، كما تنوي الجزائر من جانب اخر, استكشاف مجالات اخرى, على غرار الخدمات التي تمثل حسب وزير التجارة وترقية الصادرات, كمال رزيق, “احدى المجالات الاكثر اهمية لتطوير الصادرات الوطنية”.ويشمل هذا المجال, كل من تكنولوجيات الاعلام والاتصال, والخدمات الرقمية والبنكية, والتأمينات والانتاج السينمائي والتلفزي والاشغال العمومية والسياحة والنقل والتعليم والتكوين والنشاطات الرياضية وكذا الدراسات والاستشارة.
ضرورة بناء منظومة اقتصادية خارج المحروقات
في هذا الصدد أبرز الخبير الإقتصادي الهواري تيغرسي الدور المحوري لاقتصاد المعرفة في الدفع بالصناعات الإستراتيجية، مشددا على ضرورة اصلاح عميق للمنظومة التربوية و قطاع التعليم العالي و البحث العلمي لبناء منظومة اقتصادية خارج المحروقات، مرجعا عدم بلوغ الهدف المنشود لبناء اقتصاد خارج عائدات النفط إلى عدم نجاعة الخطط و البرامج السابقة إلى جانب الإخفاق في تنفيذها، و بالمقابل يؤكد المتحدث توفر الإرادة السياسية للنهوض بمختلف القطاعت الإستراتيجية، و هو ما تعكسه قرارات السلطات العليا للبلاد برفع العراقيل على أكثر من 900 مؤسسة كانت تعاني من عراقيل بيروقراطية، مستبشرا بالإصلاحات التي سيشهدها القطاع الإقتصادي قريبا، كما شدد في تصريح اعلامي للاذاعة على ضرورة تفعيل دور المؤسسات الإحصائية في الجزائر و على رأسها الديوان الوطني للإحصاء من أجل تقديم احصاءات و بيانات دقيقة تسمح بتخطيط ناجع، و لم يستثن تيغرسي دور المنتخبين المحليين في انعاش المشاريع الإقتصادية على مستوى بلدياتهم حسب خصوصية كل منطقة، بإشراك مختلف الفاعلين على غرار هيئات المجتمع المدني لإعطاء حلول ميدانية.
رزيق.. هناك مؤشرات إيجابية للرفع من الصادرات خارج المحروقات
في 10 جانفي 2022، أكد وزير التجارة كمال رزيق، على وجود مؤشرات إيجابية حول إمكانية الرفع من مستوى الصادرات خارج المحروقات، وقال أن “وجود إثبات عملي حول تحكم المستثمرات الفلاحية والوحدات الصناعية الوطنية في معايير الجودة والشروط الصحية ولاسيما تواجد منتجات جزائرية في أسواق الدول التي تفرض شروطا مشددة في هذا المجال يعد دليلا قاطعا على إمكانية التصدير أكثر فأكثر”.
تحقيق 40 بالمئة من الاهداف المسطرة لبلوغ 7 ملايير دولار
و قد بلغت صادرات الجزائر خارج المحروقات خلال الأربع أشهر الأولى من السنة الجارية 2.2 مليار دولار، لتحقق بذلك 40 بالمئة من أهدافها المسطرة لبلوغ 7 ملايير دولار..
و بهذا الصدد كشف المدير الفرعي لمتابعة ودعم الصادرات بوازرة التجارة عبد اللطيف الهواري أن حصيلة الأربعة الأشهر الأولى للسنة الجارية لصادرات الجزائر خارج المحروقات ارتفعت بنسبة 82 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، لتصل إلى 2.2 مليار دولار رغم منع بعض المنتوجات من التصدير، وأكد المتحدث ذاته عزم الدولة على الرفع من المبادلات البينية العربية والإفريقية، لاسيما في ظل دخول اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية حيز التنفيذ شهر جويلية، وضمن نفس السياق، قال المسؤول بوزارة التجارة إن السوق الإفريقية تعتبر سوقا واعدة نظرا لقصر المسافات، مشيرا إلى أنه تم خلال ستة أشهر من 2021، تصدير ما قيمته 300 مليون دولار من المنتجات الجزائرية منها 150 مليون دولار موجهة إلى دول إفريقيا الغربية خصوصا الدول الحدودية المجاورة.
رابط دائم: https://mosta.cc/5a6pt