أمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بتاريخ 31 أكتوبر 2021، شركة سوناطراك بوقف العلاقة التجارية وعدم تجديد عقد الغاز مع المغرب بسبب “الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة”، بحسب ما أورده حينها بيان لرئاسة الجمهورية.
وجاء القرار السيادي الجزائري حينها بعد وصول التجاوز المغربية تجاه الجزائر حد استهداف الوحدة الوطنية في مراسلة رسمية بإسم المملكة المغربية.
وكان العقد مبرما بين شركة سوناطراك الجزائرية والديوان المغربي للكهرباء والماء وانتهى مفعوله منتصف ليل الأحد 31 أكتوبر.
وسارع كل من وزيرة التحول البيئي الإسبانية المسؤولة عن الطاقة تيريسا ريبيرا ووزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، جينها إلى التأكيد على ضمان إمدادات الغاز الجزائري إلى إسبانيا عبر خط أنابيب الغاز ميدغاز ومجمعات تحويل الغاز الطبيعي المسال.
وصدرت الجزائر ما بين عامي 1996 و2021 حوالى 10 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا إلى إسبانيا والبرتغال عبر خط أنابيب المغرب العربي-أوروبا.
وفي مقابل عبور خط أنابيب الغاز عبر أراضيها، حصلت الرباط سنويا على نحو مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو ما يمثل 97 بالمئة من احتياجاتها. ويحصل المغرب على نصفها في شكل حقوق طريق مدفوعة عينيا، والنصف الآخر يشتريه بثمن تفاضلي، وفق خبراء.
ورغم الحملة الشديدة التي شنتها حينها أذرع إعلامية لنظام المخزن، إلا أن الجزائر بقيت وفية لإلتزاماتها مع اسبانيا، بل سعت إلى تقوية الروابط بين الدولتين، معتمدة في ذلك على جسن نيتها في تكريس تعاون إيجابي، خاصة فيما يتعلق بالشق الإقتصادي.
وهو ما بدى لفترة أنه قد نجح، إذ تكثفت الزيارات المتبادلة ووعود التعاون بين الدولتين، ما منح إشارات إيجابية لمستقبل التعاون المشترك بينها.
يرمي كل الجهود في الماء

وسط كل ذلك الجو من الإيجابية بين الدولتين، فاجأ رئيس الحكومة الإسبانية بيدور سانشيز الجزائر والعالم ككل، برسالة تغزل فيها بملك المغرب، معلنا خيانته للقضية الصحراوية والجزائر، عبر إعلان المغرب “شريكا استراتيجيا” لإسبانيا.
وهو الإنقلاب الذي تم تفسيره، بتمكن التحالف المغربي الصهيوني من إختراق هاتف المعني، والتوصل لمعلومات وربما دلائل من شأنها القضاء على مستقبله السياسي.
تجسس وإنقلاب موقف.. سانشيز يصبح رهينة في يد المغرب

رصدت السلطات الإسبانية برنامج التجسس “بيغاسوس” في هاتفي رئيس الوزراء بيدرو سانشيز ووزيرة الدفاع مارغريتا روبلس، وفق ما أعلنه، وزير شؤون رئاسة الوزراء فيلكس بولانيوس.
وحسب بولانيوس، فإن اختراق هاتف سانشيز كان في ماي 2021، مشيرا إلى أن تسريبا واحدا حدث على الأقل للبيانات في ذلك الوقت.
من جهتها، جل الصحافة الإسبانية بما فيها تلك التي ظلت تحابي نظام المخزن المغربي، خرجت هذه المرة عن تحفظها، وهاجمته بشراسة متهمة إياه بالتورط في هذه الفضيحة، في مقابل صمت الحكومة التي أبدت تحفظا من خلال إعلانها فتح تحقيق في القضية، في الوقت الذي تنكشف فيه أسماء ضحايا جدد، وآخرها اسم وزيرة الشؤون الخارجية الاسبانية السابقة، أرانتشا غونزاليس لايا.
وعلى رأس الصحف الإسبانية التي تطرقت إلى قضية التجسس التي تورط فيها نظام المخزن المغربي، صحيفة “أوكيدياريو”، التي تحدثت عن اكتشاف شبكة لعملاء سريين للمخابرات المغربية في اسبانيا، بعد ثبوت حالات تجسس على كل من رئيس الحكومة، بيدرو سانشيز ووزيرة الدفاع روبلز.
من جهتها، عنونت صحيفة “إلناسيونال” مقالا حول القضية: “المغرب تحت الأضواء الكاشفة بسبب استعماله تطبيق بيجاسوس” الصهيوني، فيما قالت “الإسبانيول” إن المغرب استعمل تطبيق بيجاسوس خلال الأزمة مع رئيس الحكومة سانشيز في قضية علاج رئيس الجمهورية الصحراوية، ابراهيم غالي، وذلك استنادا إلى التحقيقات التي قامت بها منظمة أمنيستي أنترناشيونال في ماي وجوان 2021.
بينما كتبت صحيفة “آرا” قائلة إن تاريخ نظام المخزن المغربي الحافل بالتجسس عبر تطبيق بيجاسوس الصهيوني، يجعل السلطات الإسبانية على قناعة بأن التجسس على رئيس الحكومة ووزيرة دفاعه، يشير إلى بصمات المصالح المغربية، وهو التوجه الذي سارت عليه صحيفة “لفانغوارديا”.
سانشيز يحاول إنقاذ المغرب من أزمة الطاقة بإستغلال الغاز الجزائري
ولم يقتصر الأمر بسانشيز على دعم رؤية المغرب المنحرفة للطريقة المثلى لإنهاء إحتلاله للأراضي الصحراوية دون العودة لإستفتاء شعبي على الإستقلال، بل حاول كذلك التدخل لإنقاذ المغرب من التبعات الكارثية لقرار الجزائر السيادي بإنهاء عقد أنبوب الغاز المغرب الإسباني، عبر عكس التدفق وإعادة بيع الغاز الجزائري للمغرب عبر ذات الأنبوب.
لترد وزارة الطاقة والمناجم بتاريخ 27 أفريل المنصرم في بيان شديد اللهجة، مؤكدة أن أي كمية من الغاز الجزائري المصدرة إلى اسبانيا تكون وجهتها غير تلك المنصوص عليها في العقود، ستعتبر اخلالا بالالتزامات التعاقدية وقد تفضي بالتالي إلى فسخ العقد الذي يربط سوناطراك بزبائنها الاسبان.
و جاء في البيان أن وزير الطاقة والمناجم، السيد محمد عرقاب “تلقى اليوم بريدا الكترونيا من نظيرته الاسبانية، السيدة تيريزا ريبيرا تبلغه فيه بقرار اسبانيا القاضي بترخيص التدفق العكسي عبر أنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي. وحسب الوزيرة الاسبانية فإن الشروع في هذه العملية سيتم اليوم أو غدا”.
وأوضحت وزارة الطاقة والمناجم “أن أي كمية من الغاز الجزائري المصدرة إلى اسبانيا تكون وجهتها غير تلك المنصوص عليها في العقود، ستعتبر اخلالا بالالتزامات التعاقدية وقد تفضي بالتالي إلى فسخ العقد الذي يربط سوناطراك بزبائنها الاسبان”.
وهو البيان الذي أوصل رسالة واضحة لرئيس حكومة اسبانيا سانشيز مفادها أن الجزائر دولة ذات عقيدة راسخة، ولا تتراجع عن قراراتها السيادية أو تسمح بالإلتفاف عنها مهما كانت المبررات.
الموقف الحاسم للجزائر أدى لمسارعة حكومة سانشيز للتأكيد بأن الأمر لا يتعلق بتحويل الغاز الجزائري نحو اسبانيا، بل بنقل كميات غاز اشتراها المغرب من دول أخرى.
ووفق ما أكده موقع lavanguardia الإسباني نهاية الأسبوع المنصرم، فإن مدريد لم ترسل أي قطرة غاز إلى طنجة لحد الأن
إذ تنتظر حصولها على فواتير شراء المغرب للغاز من الأسواق الدولية لمعالجته وإرساله عبر الأنبوب، وهذا ترسل نسخ من الفواتير إلى الجزائر لإثبات أن الغاز المرسل لجارتها ليس غازها.
ردود الجزائر على القرارات الغريبة لرئيس حكومة اسبانيا بيدرو سانشيز لم تتوقف عند هذا الحد، بل ووفق ما نقلته صحيفة بيزنس إنسايدر الأمريكية ، بنسختها الإسبانية ، في مقال نُشر الخميس 5 ماي، فقد قررت الجزائر خفضت صادراتها من الغاز إلى إسبانيا بنسبة 20.2٪ وفقا للأرقام المسجلة خلال الفترة من مارس إلى 4 ماي.
مع العلم أن إسبانيا مُزودة بما يصل إلى 29.05٪ من احتياجاتها من الغاز بواسطة الجزائر.
وهو القرار الذي من شأنه أن يشكل ضربة قوية لحكومة سانشيز، خاصة في ظل الأزمة العالمية المتعلقة بالغاز، والتي سببتها الحرب الروسية الأوكرانية، وبحث أوروبا عن بديل للغاز الروسي، لتجد اسبانيا نفسها تخسر جزء من امدادات الغاز الجزائر، بسبب قرارات غير مفهومة لرئيس حكومتها.
الجزائر.. تطمين للشركاء الأوروبيين وتوجيه لمواردها الغازية نحو السوق الجزائرية

فيما يعاني الجانب الإسباني لإيجاد موارد للغاز، تحميه من تبعات الأزمة التي افتعلها مع الجزائر، تكرس الأخيرة تعاونها مع باقي دول أوروبا، مستغلة سمعتها الطيبة كدولة وفية لإلتزاماتها مع الشركاء الصادقين، لتتجه نحو السوق الإيطالية.
ووقعت الجزائر وإيطاليا، بتاريخ 11 أفريل المنصرم، اتفاقية تعاون في المجال الطاقي تقضي بزيادة إمدادات الغاز الجزائري نحو روما.

جاء ذلك على هامش الزيارة الرسمية التي قام بها إلى الجزائر رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، بدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وعقب “مراسم استقبال رسمية”، صرح دراغي عقب لقائه الرئيس الجزائري، بأن روما والجزائر وقعتا “مذكرة تفاهم في مجال الطاقة لتزويد إيطاليا بالغاز”، وهو الاتفاق الذي وقع بين عملاقي النفط “سوناطراك” و”إيني”.
وأكد على رغبة إيطاليا في تقوية علاقاتها مع الجزائر خصوصاً في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة، وكذا المساهمة في دعم سوق العمل بالجزائر.
وفي الوقت الذي لم تكشف فيه السلطات الجزائرية أيضا عن حجم إمداداتها الإضافية من الغاز الطبيعي إلى إيطاليا، كشف عملاق النفط الجزائري “سوناطراك” عن طبيعة الاتفاق الموقع مع شركة “إيني” الإيطالية، وهي الإمدادات الإضافية التي ستكون عبر خط أنبوب “ترانسمد”.
وأوضح بيان لشركة سوناطراك، بأنه “بحضور عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، ووفود من كلا البلدين، وقع كل من الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك توفيق حكار والمدير العام لشركة إيني كلاوديو ديسكالزي، اتفاقية بغرض تسريع وتيرة تطوير مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي، من خلال تضافر جهود الشركتين، وزيادة حجم الغاز المصدر باستخدام القدرات المتاحة لخط أنبوب الغاز إنريكو ماتيي (ترانسمد)”.
وأشار إلى أن هذه الاتفاقية “ستسمح للشركتين بتحديد مستويات أسعار مبيعات الغاز الطبيعي تماشياً مع معطيات السوق وذلك للسنة 2022-2023 وفقا للبنود التعاقدية المتعلقة بمراجعة الأسعار”، ما يعني أن الجزائر لن تراجع أسعار الغاز مع إيطاليا “بالزيادة أو النقصان”.
ونبه بيان سوناطراك إلى أن “هذه الاتفاقية تأتي لتؤكد التعاون الوثيق بين الشركتين في مجال الاستكشاف وإنتاج المحروقات وكذا في مجال الطاقات الجديدة والمتجددة، مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين والوقود الحيوي واحتجاز وتخزين واستخدام ثاني أكسيد الكربون”.
كما تؤكد – يضيف البيان – “رغبة الشريك الاستراتيجي إيني في مواصلة استثماراته مع سوناطراك وتعزيز تواجده في الجزائر”.
وختم بالإشارة إلى أن “العلاقة التجارية مع إيني، التي تعد واحدة من أهم عملاء سوناطراك، تعود إلى سنة 1977، إذ سمح عقد بيع الغاز الطبيعي بإمدادها خلال العشريتين الأخيرتين بحجم يفوق مجمله 300 مليار متر مكعب الى غاية اليوم.
وتتضمن العقود الموقعة بين الجزائر وإيطاليا طويلة الأمد تتضمن كميات محددة من الغاز تصدرها الجزائر، فيما تلزم بعض البنود الجزائر بزيادة الإمدادات في حال وجود نقص في الإمدادات العالمية.
وهو ما يعني بأن الاتفاق الموقع بين سوناطراك وإيني يستند إلى العقود التي تم تجديدها في 2020 بعد نحو سنتين من الخلافات حول طبيعة العقود.
وعن كميات الغاز التي تعتزم الجزائر إمداداها إلى إيطاليا استنادا إلى التقارير الإعلامية الدولية، “استبعدت المصادر الجزائرية أن تصل إلى 50 %”، وعللت ذلك بـ”عدم قدرة الانتاج الجزائري على توفير هذه الكميات الهائلة من الغاز الطبيعي”، والتي تحتاج إلى “نحو عامين إلى 3 أعوام”.
وارتفعت صادرات الطاقة الجزائرية منذ بداية العام قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، وأشارت إلى ارتفاع شحنات النفط الجزائري نحو إيطاليا منذ يناير/كانون الثاني الماضي بنسبة 108 %، بزيادة قدرها 70 ألف برميل يومياً.
التعاون الجزائري الإيطالي في مجال الغاز ليس وليد اليوم
ووقعت سوناطراك وإيني الإيطالية، سنة 2020 اتفاقاً لتجديد عقد تصدير الغاز الجزائري إلى السوق الإيطالية حتى عام 2049.
وهو العقد الذي 3 اتفاقيات غازية تتعلق لتوريد 1.5 مليار متر مكعب على مدار 29 عاماً من 3 حقول غازية.
ويتعلق الأمر بحقول “أورهود 2″ و”سيف فاطمة 2″ و”زملت العربي” الواقعة في الجنوب الجزائري، فيما كان أول عقد وقع بين الشركتين الجزائرية والإيطالية عام 1977.
وسبق للجزائر وإيطاليا أن وقعتا، ماي 2019 على اتفاقية أخرى مع إيني لتجديد تزويد روما بـ10 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي لمدة 10 أعوام وأخرى مع “إينال” بـ3 مليارات متر مكعب سنوياً لمدة 8 أعوام.
أما عن حصص الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي الجزائري، فتحتل إيطاليا المرتبة الأولى بنسبة 60 %، ثم إسبانيا بـ 20 % ثانية، وفرنسا ثالثة بـ 12 %، والبرتغال رابعة بـ 6 %، وتأتي سلوفينيا في المركز الخامس بـ 1 %.
وعبر الأراضي التونسية، يمر ثالث أنبوب غاز جزائري باتجاه إيطاليا وهو “ترانسماد”، ويصل طوله إلى 2485 كيلومتر، وتقدر قدرة نقله للغاز الطبيعي نحو 33.7 مليار متر مكعب، يضمن تزويد تونس وإيطاليا وسلوفينيا بالغاز الطبيعي.
بينما يتآمر رئيس حكومة اسبانيا سانشيز مع المخزن.. الجزائر ترفض استغلال الحرب الروسية الأوكرانية لزيادة مداخيلها
الجزائر، والتي تعرف عالميا بكونها من الدول ذات العقيدة الراسخة، وفي وسط جو عالمي اعتبره البعض “فرصة العمر” لها من اجل تحقيق مداخيل غير مسبوقة من توريد الغاز، مستغلة حاجة أوروبا لبديل عن الغاز الروسي، رفضت ذلك، مؤكدا أنها ستستمر في الوفاء بإلتزاماتها السابقة مع جميع شركائها.
من جهته، فصّل الخبير الطاقوي مهماه بوزيان عبر صفحته الخاصة على منصة “فيسبوك” سيناريوهات الموقف والموقع الجزائري من ارتدادات الأزمة الروسية – الأوكرانية على سوق الغاز العالمي.
وأشار إلى أما سماه “طبيعة العقيدة الوطنية الجزائرية التي تحكم سياستها الخارجية”، والتي حصرها في 5 نقاط.
واعتبر بأن “الجزائر لا تستثمر في مآسي الآخرين، ولا تتعاطى مع حرب الحصص في تجارة النفط أو الغاز”.
مضيفاً بأن الجزائر “تعتبر المحرقات هي موارد طاقوية استراتيجية ينبغي التعامل معها في العلاقات بين الدول على أساس تجاري وعلى أساس عقود تمضيها الشركات الطاقوية التجارية، وعلى أساس المصالح المتبادلة”.
أما النقطة الرابعة التي فصل فيها الخبير الطاقوي فهي أن “الجزائر تُقاسِم أولويات التفاهمات مع من يُراعي المصالح المستدامة البعيدة المدى، فهو أولى وله الأولوية عن كل باحث عن مصلحة آنية قصيرة أو ضيّقة أو محدودة الأفق، وليس على أساس محاصصات سياسية أو بناءً على أسعار تفرضها دول، فهذا المفهوم خاطئ و لا تتعاطى معه الجزائر”.
وأكد على أن “الجزائر لا تنتسب رسمياً أو هيكلياً إلى أي معسكر قائم محدد الأطر والأحلاف والمهام والالتزامات حتى مع روسيا، بما يستوجب من الجزائر المجاهرة بمعاداة أعداء روسيا، فحتى الصين لم تفعل ذلك اليوم، رغم كل التوافقات السياسية والنظرة المشتركة في موازين العلاقات الدولية بين الجزائر وروسيا التي تنشد عالما متعدد الأقطاب، إضافة إلى العلاقات التاريخية الممتازة المتعددة المجالات والمستويات التي تربط الجزائر وروسيا”.
والجزئية الثانية التي أشار لها الدكتور مهماه بوزيان في منشوره فهي أن الجزائر “تتماهى في سياستها الخارجية مع القضايا العادلة للشعوب، ومع الحق السيادي للدول على مواردها، وهذا أحد المبادئ الجوهرية التي تأسس عليها منتدى الدول المصدرة للغاز، والجزائر ترفض منطق العقوبات الاقتصادية في التعاطي مع الخلافات السياسية، سوى مع إيران أو العراق أو فنزويلا، أو الصين أو روسيا، كما ترفض الجزائر منطق التمدد العسكري العدائي على حدود الدول الآمنة”.
واستند الخبير الطاقوي في تحليله أيضا إلى الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيطالي للجزائر، مشيرا إلى ذلك بأن الجزائر “ستتعاطى مع انشغالات إيطاليا كشريك استراتيجي وتاريخي لها، خاصة وأن ما سيربط الجزائر بإيطاليا هو المصالح التجارية، في ظل امتداد الجوار المتوسطي، الذي سيعزز عامل القرب هذه الشراكة، خاصة في بعدها الطاقوي، وليس كحليف سياسي لأوروبا في الأزمة مع روسيا، وليس كحليف عسكري كذلك”.
وأكد على أن “هذا التعاون مع إيطاليا سيتم التعاطي معه ضمن تصور ورؤية للأمن الطاقوي، خصوصا تصوّر الجزائر لتعزيز هندسة أمن الطاقة” العالمي أو الجواري مع الشركاء، الذي تأسس على مبدأ التوافقات بما يضمن مصالح الجميع منتجين ومستهلكين، وبما يسمح بتوازن الأسواق واستقرار الأسعار، وفقا للقاعدة الثلاثية الذهبية (إمدادات وأسعار عادلة، ومتوازنة ومستدامة)”.
كما أن رؤية الجزائر – يضيف الدكتور مهماه – فإنها “لضمان أمن إمدادات الطاقة، خصوصا إمدادات الغاز الطبيعي عبر الأنابيب أو مسالا، فرؤية الجزائر تقوم على أهمية العمل العقود الطويلة الأجل، بما سيسمح من ضخ استثمارات معتبرة في صناعة الغاز على طول السلسلة، الأمر الذي سيمكن من تجديد الاحتياطيات في مكامن وحقول الدول المنتجة للغاز، وبالتالي الرفع من قدرات الإنتاج والإمداد للشركاء، أي لكل من يدخل في شراكة مع سوناطراك ضمن تعاقدات طويلة الأجل لضخ الاستثمارات أو في عقود للاستكشاف والاستغلال أو تقاسم الإنتاج أو في عقود التوريد لصالح الشركاء والزبائن”
وختم منشوره بالإشارة إلى أنه “وبخلاف هذا المنطق لا يمكن للجزائر عبر الفاعل الاقتصادي والتجاري لها (ألا وهو سوناطراك) الدخول في أية أعمال أو تعاملات لا تحكمها قواعد التجارة والتعاقد الطويل الأجل، ليس لعجز لدى الجزائر، بل لأن صناعة الغاز في كل دول العالم تحكمها، من الجانب التقني، سيرورة إنضاج حقول جديدة للغاز من خلال ضخ استثمارات معتبرة، بناء على معطى ضمان أسواق توريد مستديمة للغاز، والعقود الطويلة الأجل هي الضمان لذلك، فلا يمكن لأي منتج للغاز في العالم (الجزائر أو قطر أو غيرهما) إرهاق قدرات الإنتاج لديه بما فيها قدرات الإنتاج الإضافية بغرض استرضاء جهة ما أو مسايرة أي أحد في إغراءاته أو ضغوطاته”.
رابط دائم: https://mosta.cc/0kmh5