يُتوقع أن يكون موسم الاصطياف لهذا الموسم ليس كغيره من المواسم، وباعتراف القائمين عليه فان موسم 2022 هو بداية انتعاش السياحة الجزائرية، على اعتبار أنّ الجائحة غيرت الكثير من المعطيات، فارتفاع أسعار التذاكر نحو أوروبا وبعض الوجهات، وكذلك تدهور القدرة الشرائية، مقابل مشاريع ضخمة استفاد منها القطاع مع إجراءات تحفيزية وتسهيلات، كلها عوامل قد تخدم السياحة الجزائرية، وأن فتح الحدود مع الجارة تونس عامل محفز لخلق روح التنافسية وتطوير القطاع وانعاشه.
عبد الوهاب بولفخاذ : الجزائر أمام فرصة لبناء مستقبل أفضل للسياحة الداخلية
قال عبد الوهاب بولفخاذ رئيس الفيديرالية الوطنية للفندقة و السياحة في حديثه “للمستثمر” أنه و بعد ركود النشاط السياحي لأزيد من سنتين بسبب جائحة كورونا، يعكف اليوم المتعاملون في المجال السياحي على تحقيق انتعاش آمن ومستدام لقطاع السياحة، بالتوجّه نحو تنشيط السياحة الداخلية، خاصة و أن أسعار التذاكر حاليا نحو أوروبا، عامل مشجع يخدم السياحة الجزائرية بشكل كبير، و هي الفرصة لبناء مستقبل أفضل للسياحة الجزائرية، البلد الذي يشهد له العالم بمؤهلاته السياحية المهمة لا ينقصها سوى تنسيق الجهود الرامية إلى ترقية هذا القطاع، و تعزيز الموارد والوجهات السياحية، خاصة و أن السياحة في الجزائر هي امتداد على أربعة فصول، لتشمل الشاطئية والحموية والصحراوية والغابية والجبلية والدينية وغيرها، ثروة تتطلب من الفاعلين والمسؤولين التوجه نحو هذا القطاع الحيوي الذي يصنف لدى بعض الدول العمود الفقري لاقتصادها، مرجعا ارتفاع اسعار الفنادق الى العديد من العوامل على غرار مدة تسديد قروض البنوك، داعيا الى تمديد الآجال بالشكل الذي يسمح خفض التكاليف على الزبون، مشيرا لنجاعة تلك الحلول الاستعجالية التي اتخذتها الجهات المعنية كالإقامة لدى الساكن، و فتح الاقامات الجامعية امام السائح لتبسيط العراقيل و توفير المكان الملائم لقضاء عطلة بأقل التكاليف، مستبشرا بموسم اصطياف ناجح مقارنة بالطلب المتزايد على مختلف الاماكن من الوطن للمواطنين و المغتربين الذي توافدوا هذا العام بكثرة، بعد الغلق لمدة عامين بسبب جائحة كورونا التي كانت نقمة و نعمة في نفس الوقت –يقول-ساهمت في تفعيل السياحة الداخلية و تشجيعها، و نحن نعمل –يضيف محدثنا- على ترقية الخدمات بالاعتماد على تأهيل المورد البشري، و التضحيات التي يقدمها متعاملون القطاع في سبيل انجاح الموسم و تطوير القطاع مستقبلا.
الجزائر عملاق السياحة النائم
لا يختلف اثنان على أن الجزائر تحفة متكاملة المقاييس، وبلد يصنف بأنه أكبر بلد أفريقي بمؤهلات سياحية متنوعة بين الهضاب والصحراء والسواحل، بلد أبهر العالم، قالت عنه صحيفة واشنطن بوست الأمريكية “الجزائر عملاق السياحة النائم”، جاء هذا في مقال عن السياحة الجزائرية، سرد فيه الكاتب الصحفي هنري ويسماير تفاصيل رحلته إلى الجزائر، و روى حيثيات سفريته في مقال مطول عنونه بـ “رحلة برية مثيرة على طول الساحل الجزائري”.
و راح الكاتب يتحدث باسهاب في موضوعه عن كل منطقة زارها بالتفصيل ليشيد بتاريخ وأصالة منطقة القصبة وما شهدته أثناء ثورة التحرير وكذا عراقة مدينة قسنطينة وجسورها المعلقة ليعرج بعدها على المناطق الأثرية كتيمقاد وجميلة.
الأكل والسكان كان لهما أيضا نصيب من مقال ويسماير الذي قال “كان الطعام مثل الكباب، الكسكس، وأطباق الشخشوخة، حساء الخضار الممزوج بقطع من الخبز المسطح رائعًا في المطاعم، كما في أي مكان آخر”.من جهة أخرى اعتبر الكاتب أن وباء كورونا كان بمثابة نكسة في حملة طويلة لإيقاظ عملاق نائم ويقصد به السياحة في الجزائر، ليخلص إلى القول بأن الجزائر تعتبر أحد أكثر الأماكن تميزًا ثقافيًا، ويروي هنري ويسماير في مقال مشبع بمشاعر وأحاسيس نابعة مما رآه و لمسه من تلاقي ماضي وحاضر هذا البلد الضخم الذي يحتل المرتبة العاشرة من حيث المساحة و “الأبعاد الغامضة” التي تنطوي عليها مختلف المدن الساحلية التي طاف بها في سفرية استهلها بعاصمة البلاد.
بعد اسبوع من الترحال على الشريط الساحلي, واختتم مقاله بحديث جمعه بدليله السياحي: “لم تكن لدي أدنى فكرة عما سأجده هنا “و هو ما ولد لديه شعورا بأن “صناعة السياحة عليها أن تأخذ بعين الاعتبار” الثراء الذي تزخر به الجزائر في هذا المجال.
ياسين حمادي .. مساعي وجهود حثيثة لأجل انجاح موسم الاصطياف 2022
ذكر وزير السياحة والصناعة التقليدية، ياسين حمادي، ان قطاعه يسعى جاهدا مع كل الفاعلين من أجل انجاح موسم الاصطياف لهذه السنة، بعد أن تم الشروع في التحضير للموسم منذ بداية السنة الجارية بمشاركة جميع الفاعلين، وهذا بعد ركود النشاط السياحي لأزيد من سنتين بسبب جائحة كورونا، و لأجل ذلك شدد حمادي على ضرورة تحسين الخدمات وتوفير مرافق الايواء بأسعار معقولة، مشيرا الى انه تم في هذا الاطار إعداد برنامج بمشاركة الجهات المعنية يقضي بتبسيط الاجراءات الادارية لفائدة الأشخاص الراغبين في تأجير مساكنهم، كاشفا عن تدعيم الحظيرة الفندقية ب39 مؤسسة فندقية جديدة على المستوى الوطني بطاقة استيعاب تقدر بأزيد من 3 آلاف سرير، وبخصوص أسعار مرافق الايواء، أوضح الوزير أنها تخضع لقانون العرض والطلب، وبشأن استغلال الشواطئ، قال الوزير أن هذه المسألة تمت مناقشتها على مستوى اللجنة المشتركة من خلال إسناد تسيير الشواطئ الى متعاملين سياحيين وأصحاب الفنادق المجاورة لها مع احترام مبدأ مجانية الدخول وتوفير خدمات جيدة بأسعار معقولة، كما أشار حمادي إلى ضرورة دعم وتنويع الاستثمار من خلال رفع كل العراقيل أمام المستثمرين الذين يتوجب عليهم ايضا احترام التزاماتهم.
الجودة والنوعية مطوبان في ترقية الخدمات السياحية
في سبيل رفع مستوى الخدمات السياحية أكد وزير السياحة والصناعة التقليدية، ياسين حمادي، على أهمية تحقيق الجودة والنوعية في الخدمات المقدمة، مبرزا أن المورد البشري المؤهل يعد الاساس المتين لرفع مستوى هذه الخدمات.
وشدد حمادي على ضرورة تحقيق التنمية السياحية في ظل استراتيجية عمل طموحة وواقعية تسعى من خلالها الدولة الى توفير الارضية الملائمة لبناء وجهة سياحية جذابة قادرة على تلبية حاجيات السوق الداخلية وكذا الاستجابة لمتطلبات السياحة الدولية، وتقوم هذه الاستراتيجية –حسب حمادي– على “جملة من المحاور المتكاملة من خلال تشجيع الاستثمار لاستدراك العجز في طاقة الاستقبال وتحسين جاذبية وصورة وجهة الجزائر”، مبرزا أهمية “تعزيز الشراكة بين مختلف المتعاملين السياحيين وتوفير التسهيلات والاجراءات الادارية المدعمة للنشاط السياحي”
و في زيارة العمل و التفقد التي قادته اول امس نحو جيجل أكد وزير السياحة و الصناعة التقليدية، على ضرورة رفع مستوى الخدمات التي تقدمها الهياكل السياحية في البلاد لتشجيع السياحة الداخلية، مبرزا أهمية تقديم خدمات تستجيب لطلبات السياح و تشدهم أكثر نحو السياحة الداخلية، مؤكدا على أن توفير الأمن و جودة الخدمات و مدى استجابتها لاحتياجات السائح تعد من أهم عناصر الاستقطاب السياحي و ترقية القطاع، كما أكد حمادي على التزام دائرته الوزارية بمرافقة الناشطين في المجال السياحي لكسب ثقة السائح و استقطاب أكبر عدد ممكن من السياح، مشددا بالمناسبة على حق المواطن في الدخول المجاني إلى مختلف الشواطئ..
كما أكد حمادي أن تهيئة مناطق التوسع السياحي بهذه الولاية التي تزخر بكل المقومات (مناخية وطبيعية) وتمتد شواطئها على مسافة تقارب 120 كلم سيكسبها “قيمة اقتصادية وسياحية “، معلنا أنه سيتم في الأيام المقبلة المصادقة على مخطط تهيئة منطقة التوسع السياحي”عدوان علي” في انتظار استكمال باقي المناطق و مجموعها 19 منطقة توسع سياحي.
و دعا الوزير بالمناسبة المستثمرين “الحقيقيين” ليكونوا في المستوى المطلوب لتجسيد مشاريع من شأنها أن ترقى بهذه الولاية التي ينتظر منها أن تكون “منطقة سياحية بامتياز”.
كما اعتبر الوزير ما وقف عليه بشاطئ “كتامة”، حيث عاين الممر الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة, “تجربة تستحق التعميم” لأن هذه الشريحة – كما قال- “تعد جزءا من المجتمع وعلينا التكفل بها وضمان حقها في الولوج بكل أريحية للشواطئ للاصطياف والاستجمام.”
و فيما يخص إتاحة الإقامات الجامعية بالمدن الساحلية للمصطافين، جدد الوزير تأكيده بأن هذا الإجراء “غير ربحي ويستهدف فئة الشباب بالمدن الداخلية والجنوبية مقابل سعر زهيد ومدعم”.
النهوض بقطاع السياحة حتمية فرضت نفسها
ومن اجل تحقيق أهداف مخطط عمل الحكومة تطبيقا لبرنامج رئيس الجمهورية وتعهداته في المجال السياحي، أوضح الوزير أن ذلك يستدعي “تعبئة الموارد البشرية وترقية التكوين الذي يبقى في قلب استراتيجية القطاع”، لاسيما –كما قال– وان “انجاز المركبات السياحية الضخمة والفنادق الفاخرة لا يكفي إذا لم يتم تدعيمها بكفاءات مؤهلة وقادرة على تسييرها وفق معايير عصرية، “وأكد في ذات السياق أن القطاع يسعى الى مواكبة التطورات في مجال التكوين وعصرنته من خلال ادماج مهن وتخصصات جديدة، ملحا على ضرورة انسجام محتوى البرامج التكوينية مع سوق الشغل، الى جانب تحسين مستوى المكونين بالاستفادة من الخبرة الدولية، معتبرا ان المشاريع الجاري انجازها تحتاج الى يد عاملة مؤهلة، مشيرا الى ان 751 مشروع استثماري يوجد حاليا طور الانجاز بطاقة استقبال تقدر ب 95 الف سرير ومن شأنها توفير 289 37 منصب شغل.
ليخلص بالقول أن النهوض بقطاع السياحة يعد حتمية فرضت نفسها، بخاصة في ظل توافر إرادة قوية من قبل السلطات العليا للدولة.
و عليه فإن هذه الإجراءات التحفيزية والتسهيلات وسط الواقع الجديد لا يمكن أن تمر من دون أن يكون لها وقع إيجابي، و ان التفاؤل بانتعاش متوقع لحركة السياحة الداخلية أمر معقول، ويمكن البناء عليه، بخاصة في ظل الظروف الراهنة التي تشكل حسب المختصين فرصة الجزائر لتطوير قطاعها السياحي وإنعاشه
رابط دائم: https://mosta.cc/e3sng