يشهد العالم اليوم اهتماماً متزايداً بالاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة التي ستغير مشهد الطاقة العالمي خلال الأعوام القليلة المقبلة، من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة صديقة للبيئة، منخفضة التكلفة نسبياً. وتزامناً مع هذا التوجه العالمي، يزداد استخدام الهيدروجين الأخضر لإنتاج الطاقة ودفع عجلة التنمية في العديد من القطاعات الحيوية. وتشير الدراسات إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر سيرتفع بنسبة 57% سنوياً ليصل إلى 5.7 ملايين طن في 2030.
و حسب التقارير فإن جميع الاقتصادات الرئيسية والناشئة مهتمة بالاستثمار بكثافة في الهيدروجين الأخضر، وكذلك في شراكات الطاقة العالمية لتأمين الواردات طويلة الأجل، وهذا ما يخلق فرصًا جديدة للتنمية الصناعية، لا سيما في الدول التي تتمتع بموارد متجددة للطاقة. إذا قامت هذه الدول بتهيئة الظروف الإطارية المناسبة، فيمكنها تطوير مجموعات صناعية جديدة واعدة من خلال الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة لذلك لا غنى عن الاستراتيجيات الاستباقية لجني هذه الفرص الجديدة للتنمية الصناعية بشكل كامل، و حسب التوقعات فانه من الممكن جدا أن يتوسع الطلب على الهيدروجين الأخضر بسرعة. أي يمكن أن يصل إلى 21 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة النهائي في العالم بحلول عام 2050م، وفقاً لذلك أدركت العديد من الحكومات والشركات الكبيرة الأهمية الاستراتيجية للهيدروجين الأخضر وبدأت في الاستثمار بكثافة، و حسب “العربية” نقلا عن صحيفة “المال”، فان الهيدروجين الأخضر هو خيار تصدير واعد للعديد من الدول النامية، فعادة ما يكون لدى هذه الدول صناعات محلية أصغر وبالتالي فإن الطلب على الهيدروجين الأخضر أقل، لكن هذه الدول تتمتع بموارد طاقة متجددة وفيرة تمكنها من الإنتاج والتصدير. في ظل هذه الفرضيات، تحتاج الدول الآن إلى تكييف استراتيجياتها الصناعية بشكل استباقي لتوقع ما سينطوي عليه الاعتماد العالمي المتزايد للهيدروجين الأخضر على تنميتها الصناعية في العقد المقبل، و ختمت بالقول ان الهيدروجين الأخضر موجود ليبقى ولا توجد دولة تريد أن تتخلف عن التطور.
بإمكان الجزائر أن تلعب دورا إقليميا هاما في إنتاج الهيدروجين
دعا وزير الطاقة والانتقال الطاقوي في أشغال الطبعة الـ26 ليوم الطاقة المنظمة تحت شعار “العيد الـ60 للاستقلال: من أجل انتقال طاقوي بالهيدروجين الأخضر”، إلى اعتماد انتقال طاقوي مكيف مع الخصوصيات الوطنية, من أجل ضمان أمن طاقوي معزز ومستدام، في حين أبرز وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب الدور الاقليمي الهام للجزائر في انتاج الهيدروجين.
و حسب الوزير زيان, فأن الانتقال الطاقوي لابد أن يكون انتقالا مربحا وامنا وشاملا, يتكيف مع الخصوصيات الوطنية لتحقيق النجاعة الاقتصادية، قائلا أن النموذج الطاقوي الجديد الذي تصبو إليه الجزائر لابد أن يتماشى مع طبيعة تحدياته المستقبلية ومع مقوماته الطبيعية وثرواته التي تزخر بها، “من خلال قراءتنا المتأنية الواعية في تجارب الغير، ندرك بأن الانتقال الطاقوي الآمن والسلس والمربح والمستدام هو انتقال كلي وشامل ومتعدد المستويات والجوانب والقطاعات, كونه مزيج مرن من الطاقة يكون ذو تماسك منظوماتي وهيكلي، ذي مقبولية اجتماعية اقتصادية, يتغذى من منافعه ومنظومته القائمة”, وعليه, فإن الانتقال الطاقوي حسبه يستدعي القيام أيضا بتحولات في عدة مجالات أخرى, على غرار المجال الرقمي والتكنولوجي والاجتماعي, مؤكدا الأهمية البالغة للهيدروجين الأخضر الذي من شأنه تحقيق قفزة في تخزين الطاقة وخفض البصمة الكربونية،
من جهته أكد وزير الطاقة والمناجم محمد عرقاب أنّ الجزائر تملك امكانات كبيرة تسمح لها بإبراز دورها الاقليمي في الإنتقال الطاقوي لتوفرها على موارد هائلة لاسيما من الطاقة الشمسية وشبكات واسعة ومندمجة لنقل الكهرباء والغاز الى جانب قدرات كبيرة في مجال البحث والتطوير.
التحولات العالمية في مجال الطاقة تفرض التوجه نحو الاستثمار في الهيدروجين
من جانبه، أكد وزير الصناعة أحمد زغدار، أن التحولات التي يشهدها العالم في مجال الطاقة تفرض التوجه نحو الاستثمار في الهيدروجين الذي تمتلك فيه الجزائر إمكانيات كبيرة، ذاكرا أنه بالنظر للتغيرات التي يعرفها المشهد الطاقوي العالمي فإن الجزائر باتت مطالبة بالاهتمام أكثر بالاستثمار في استغلال الامكانيات التي تزخر بها, بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، ويتعين, في هذا الإطار, وضع خطة عمل على المدى القصير والطويل بالتنسيق مع الشركات المختصة ومختلف الفاعلين بما فيهم المجتمع المدني, لتحفيز الاستثمار في مجال الطاقات الجديدة والشعب الصناعية المتصلة بها, حسب الوزير الذي يعتبر بأن العمل الجماعي ضروري لتحقيق انتقال طاقوي ناجع.
الجزائر تحوز كل المقومات لتطوير الهيدروجين
كشف ذات الوزير أن البلاد تحوز كل المقومات لتطوير الهيدروجين التي ستمكنها من أن تصبح فاعلا طاقويا عالميا, وتساعدها على تحقيق عدة أهداف في مجال الانتقال الطاقوي والحد من التغيرات المناخية، كما أن تطوير الهيدروجين -يضيف المتحدث ذاته- سيعزز نمو عدة فروع من الصناعات مثل صناعة الأمونيا والأسمدة والانسجة الصناعية والكيمياء الصناعية والإلكترونيك، ودعا زغدار المستثمرين الجزائريين لعقد شراكات مع متعاملين من الدول الرائدة في مجال الانتقال الطاقوي والفعالية الطاقوية, تضمن لهم على وجه الخصوص نقل التكنولوجيات الحديثة في هذا المجال، وستترافق هذه الجهود مع وضع أطر قانونية وتنظيمية لتحفيز الاستثمار والبحث والتطوير في المجالات ذات الصلة بالانتقال الطاقوي, وفي سياق ذي صلة, ذكر زغدار بأن قانون الاستثمار الجديد يسمح بتحسين مناخ الأعمال وتسهيل الفعل الاستثماري لاسيما من خلال تبسيط الاجراءات الادارية.
59 دراسة لدفع استثمار الهيدروجين الأخضر بالجزائر
شكل ملتقى “استعمال الهيدروجين الأخضر في القطاع الصناعي بالجزائر”، المنعقد شهر جويلية فرصة لطرح ما لا يقلّ عن 59 دراسة لدفع استثمار الهيدروجين الأخضر ومختلف استعمالاته في قطاعات البتروكيمياء والصناعة والنقل.
الملتقى الذي تم خلاله تقديم 59 دراسة من 24 جامعة وخمسة مراكز بحثية جزائرية منتشرة عبر البلاد, تمحور حول الجوانب المرتبطة بـ “الإنتاج والتخزين والنقل والتوزيع واستعمالات الهيدروجين الأخضر, فضلاً عن المسائل المتعلقة بالأمن ومعايير الإنتاج”، الملتقى الذي بادرت به المنظمة الوطنية لرعاية البيئة والتبادل السياحي, يهدف إلى مناقشة تقدم البحث العلمي في الجزائر والعالم ومشاركة التجارب والخبرات في هذا المجال, فضلا عن إبراز جهود القطاع الصناعي في تطوير استعمال الهيدروجين الأخضر، وأضاف بشيري أنّ هذا الحدث يشكّل فرصة لجمع الباحثين الجامعيين والخبراء وممثلي الدوائر الوزارية المعنية بتطوير الهيدروجين الأخضر في الجزائر.
من جهتها، أبرزت مديرة الدراسات على مستوى مركز تطوير الطاقات المتجددة, رفيقة بودرياس, الدور الهام لاستعمال الهيدروجين, الذي يتم إنتاجه من الطاقات المتجددة, في نجاح الانتقال الطاقوي بالجزائر, وذلك عبر تثمين فائض إنتاج الطاقات النظيفة، وركّزت بودرياس على أهمية المساهمة في تثمين غاز ثاني أكسيد الكربون, عبر استعمال الهيدروجين الأخضر في الإنتاج.
الجزائر قادرة على إنتاج الهيدروجين الأخضر بأسعار تنافسية
سبق لمحافظ الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية، نور الدين ياسع، أن أكد أن الجزائر التي تتمتع بإمكانيات شمسية كبيرة، قادرة على انتاج الهيدروجين الأخضر بتكاليف”تنافسية للغاية”.
موضحا أنه و بفضل إمكاناتها الكبيرة من الطاقة الشمسية، ومواردها الكبيرة من الغاز الطبيعي والبنى التحتية المرافقة بها، فإن الجزائر في وضع جيد لإنتاج الهيدروجين الأخضر وربما الأزرق (انطلاقا من الغاز الطبيعي مع التقاط الكربون وتخزينه) بتكاليف جد تنافسية، وفي هذا الإطار، أشار المسؤول إلى أن العديد من الدراسات التي أجراها مركز تنمية الطاقات المتجددة وهيئات بحثية وطنية ودولية أخرى، أظهرت بوضوح المزايا الهامة جدا والتي يمكن للجزائر الاعتماد عليها في التحول نحو استغلال الهيدروجين، وخاصة الأخضر، كناقل للطاقة النظيفة.
ويتعلق الأمر في المقام الأول بإمكانات الجزائر الهائلة في مجال الطاقة الشمسية، والتي تترافق بشساعة التراب الوطني، مما يجعل من استغلال الهيدروجين على نطاق واسع مربحا، على أكثر من صعيد، كما تمتلك الجزائر شبكة واسعة من الجامعات ومراكز البحوث، وشبكة كهرباء كبيرة، وبنى تحتية للتخزين والتوزيع والنقل، وبنى تحتية وطنية ودولية لنقل الغاز الطبيعي، إضافة إلى موقعها الجغرافي المناسب بفضل قربها من الأسواق الأوروبية، ووجود نسيج صناعي لإنتاج الهيدروجين والأمونيا.
هذه العوامل تعزز وضع الجزائر في دخولها للسوق المزدهرة للهيدروجين الأخضر، والتي سيتم حولها تحديد العديد من الأنشطة الصناعية للعديد من الدول ذات الاقتصادات القوية، يكشف ياسع الذي يؤكد بأنه بإمكان الجزائر أن تصبح مصدرا رئيسيا للهيدروجين إلى أوروبا، وفي واقع الأمر، فإن سياسة الطاقة الأوروبية، القائمة على محايدة الكربون التي تهدف إلى استبدال الطاقات الأحفورية من خلال تطوير الطاقات المتجددة والهيدروجين، لاسيما الأخضر، قد خلقت “ديناميكية إقليمية قوية”، يؤكد المسؤول، وبالنظر لكون الهيدروجين الأخضر ينتج حصريا من الطاقات المتجددة، والتي تمتلك الدول الواقعة على الضفة الجنوبية للحوض المتوسط منها عنصرا أساسيا بوفرة، وهو الطاقة الشمسية، فإن الأمر يتعلق بمنح حصة كبيرة من الإمدادات المستقبلية لأوروبا من هذه الطاقة، لفائدة دول شمال إفريقيا، وذلك لأسباب اقتصادية عملية واضحة مثل القرب الجغرافي، ولفت المحافظ في هذا السياق إلى بروز مؤشرات بداية سوق “شديدة التنافسية” في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر في المنطقة، وهذا بالنظر إلى الاستعدادات المعلن عنها في بعض الدول، والاستثمارات الأولية التي تم الكشف عنها بالفعل بهذا الخصوص.
وبعد أن أشار إلى أن عدة دول أوروبية قد نشرت بالفعل استراتيجياتها المتعلقة بالهيدروجين، أكد المتحدث بأن الجزائر، في مواجهة هذه الديناميكية، تحتفظ بفرصها كاملة في أن تصبح لاعبا إقليميا رئيسيا في هذا المجال، بالنظر إلى المزايا العديدة التي تمتلكها
ورقة طريق وطنية قيد الاعداد
ومن أجل تحديد رؤية الجزائر بشكل أفضل فيما يتعلق بتطوير الهيدروجين، وخاصة الأخضر، وانعكاساته الاستراتيجية والاقتصادية والبيئية، متوسطة وطويلة الأجل، يجري التحضير لورقة طريق وطنية من طرف مجموعة عمل تتكون من وزارة الطاقة والمناجم، وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وكذلك محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية، ينتظر من ورقة الطريق هذه أن تمنح الفاعلين، الوطنيين والدوليين، رؤية أوضح للسياسات والتنظيمات والإجراءات التحفيزية لصالح قطاع الهيدروجين في الجزائر، حسب ياسع، الذي أكد بهذا الخصوص أهمية اعتماد نهج شفاف من أجل تمكين الجزائر من جذب المستثمرين المحتملين ومواجهة المنافسة التي تبرز أكثر فأكثر في المنطقة، مصرحا : “بالنظر إلى الخصائص والمزايا العديدة التي تمتلكها في أكثر من جانب، فإن تنفيذ ورقة الطريق هذه سيجعل من الجزائر فاعلا إقليميا رئيسيا في مجال الهيدروجين وخاصة الأخضر”، غير أنه يتعين على الجزائر أن تعتمد على الشراكات مع الدول الرائدة في هذا المجال، من أجل إنجاح استراتيجيتها لتطوير هذه الطاقة، يقول محافظ الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية:”من خلال شراكات استراتيجية تسمح بحشد التمويل الضروري ونقل التكنولوجيا والخبرات، ستتم إقامة عدة مشاريع تجريبية، من أجل تقييم ومراقبة مختلف التقنيات والتكنولوجيات المتعلقة بسلسلة القيم في مجال انتاج الهيدروجين، وذلك في إطار المرحلة الأولى من تنفيذ ورقة الطريق” داعيا إلى ضرورة استحداث إطار قانوني ومعياري مكيف، مع اقطاب امتياز خاصة باقتصاد الهيدروجين.
رابط دائم: https://mosta.cc/0zs8w