أجمع الخبراء والإقتصاديون دائما على أهمية المناولة في تمكين الصناعة الوطنية من تطوير منتجاتها والرفع من مستوى تنافسيتها في الأسواق المحلية والخارجية، فالمناولة وفقهم، أسلوب إقتصادي رائد في تفعيل علاقات التكامل بين مختلف وحدات القطاع الصناعي الذي لا يزال يعاني من مشاكل كثيرة أهمهما التركيز على الصناعات الأولية، نقل التكنولوجيا، ضرورة رفع مستوى الكفاءة والإنتاجية.
كما تم التأكيد على أن هذا الأسلوب لا يزال غائب التطبيق بعديد المنشآت الصناعية بسبب عدم فهم الأهداف التي وجد من أجلها، بما في ذلك خصائصه وآلياته، وعدم التعاطي معه بشكل نظامي بدليل الإحصائيات التي تشير إلى العدد القليل من المؤسسات الإقتصادية التي تعمل في قطاع المناولة في حين تفضل أخرى منح جزء من مخططات إنتاجها لشركات مناولة أجنبية على حساب منتوج مؤسسات وطنية بحجة نقص الإحترافية، مما يحرم الكثير من المؤسسات المتوسطة والصغيرة من النمو والاستفادة من الموارد الوطنية ومن الخبرة أيضا.
كما تمت في عديد المناسبات الإشارة على الدور الاستراتيجي الذي تلعبه المناولة في تنمية المؤسسات المتوسطة والصغيرة التي يمكنها العمل في نشاطات الصناعة والصناعة الميكانيكية، الإلكترونية، الصناعة الفلاحية وإكتساب الخبرة والكفاءة وكذا الحصول على التكنولوجيا الحديثة لتطوير وسائل الإنتاج والتسيير الجيد للمؤسسة.
بالإضافة إلى أهمية المناولة في تطوير وتنويع المنتجات وفق متطلبات السوق، والمساعدة على الاستغلال الأمثل للطاقات المتاحة، وتأهيل الوحدات الصناعية لمواجهة المنافسة المحلية والأجنبية، كما تساهم في دعم النسيج المحلي الصناعي وتشجيع المؤسسات على التخصص في مجال التقنيات الحديثة، فضلا عن تشغيل العمالة الوطنية والحد من نسب البطالة وكذا الحد من نزيف العملات الصعبة التي تستخدم في جلب مواد يمكن إنتاجها محليا وبجودة عالية .
بالإضافة إلى دور الشراكة أيضا في تنمية المناولة الصناعية ودور التكامل بين المؤسسات المتوسطة والصغيرة بما يسمى بالصناعات المغذية وأهميته في استمرارية هذه المؤسسات وتسويق إنتاجها.
ثم ضرورة قيام الشركات الكبيرة بدور فعال في تنمية المناولة الصناعية الوطنية والحد من المناولة الخارجية، مع وضع استراتيجية وطنية واضحة المعالم بمشاركة كل الفاعلين وتحسيس الأوساط الصناعية بالفعاليات التي تقام حول مجال المناولة من ملتقيات، ندوات وأيام دراسية بهدف التعرف أكثر على هذه الاستراتيجية التي تعد محورا أساسيا في تحقيق التنمية الصناعية والاندماج الإقتصادي.
في هذا الحوار مع الخبير الإقتصادي عبد القادر سليماني، يعود بنا إلى تفاصيل المناولة من من المفهوم إلى التطبيق على أرض الميدان
الخبير الإقتصادي عبد القادر سليماني يشرح النسيج المناولاتي، سلسلة القيم وغيرها من المفاهيم
بداية أستاذ، إذا أمكن أن تشرح لنا ما هو مفهوم المناولة؟
في كل مرة نحاول تبسيط المصطلحات الإقتصادية، ولشرح أفضل للمفهوم، أقدم مثالين اثنين، الأول بالنسبة للسيارة، كم تحتوي السيارة من قطعة غيار؟، ربما 1500 أو 2000 قطعة. هل تستطيع شركة واحدة توفير كامل هذه القطع وتركبها في وقت واحد وتتحكم في كامل التكنولوجيا والوقت اللازم للعملية، وكذلك الأسعار. هو أمر صعب جدا يقارب المستحيل، تخيلوا مثلا العجلات فقط، تركيبهم وصناعتهم، وجلب المادة الخام “المطاط” وتحويلها وقياساتها وما إلى ذلك، ثم المحرك، وحده فيه ما بين 800 و900 قطعة، وهنا يأتي دور المناولة، وهي عبارة عن التزام وعقد بين على الأقل شركتين، يعني شركة سيارة وشركة مثلا لتوريد العجلات، ويكون العقد بينهم لضمان حقوق وإبراز واجبات كل طرف، ويكون العقد على فترة طويلة، ونصطلح على شركة السيارات بإسم “الشركة الآمرة” لأنها هي التي تأمر بعملية المناولة، والشركة الأخرى هي “الشركة المنفذة” لكونها الشركة التي تنفذ بنود المناولة، هذا هو أبسط تعريف ممكن.
كمثال آخر، لاحظنا أن الجزائر أطلقت العديد من مشاريع السكن من طرف وكالة “عدل” على سبيل المثال، لا يمكن لشركة واحدة أن تنجز 5 آلاف او 10 آلاف سكن، لكون ذلك يتطلب مئات البنائين، مئات الدهانين والكهربائيين وما إليه، من هذا نشأ مفهوم المناولة، وتكون بين على الأقل شركتين، واحدة توفر الإنتاج أو خدمات أو بنيان.
أهمية المناولة هي أولا توفير مناصب الشغل، تصوروا مناصب الشغل الممكن توفيرها إذا اتبعنا هذه الطريقة، إذ مثلا الدهان سيجلب معه مساعدين وهكذا دواليك. هذا ما يسمى خلق الثروة.
القيمة المضافة التي تجلبها المناولاتية مع المقاولاتية، وهنا نربط بين المفهومين لأن أي مناول يعتبر مقاول لأنه سيمنحك قيمة مضافة وتمنحه مقابل، مثلا شركة صغيرة أو متوسطة، وهنا نعود كذلك إلى مفهوم الشركة الصغيرة والمتوسطة، والتي تدعمها الجزائر بقوة اليوم، والهدف الوصول إلى 800 ألف أو مليون شركة صغيرة أو متوسطة ورأينا زيارات الرئيس تبون لعواصم الدول وتصريح السيد الرئيس من روما عاصمة إيطاليا بأن النموذج الإيطالي في هذا المجلا جيد، ويحتذى به، لأن إيطاليا تملك 5 ملايين شركة صغيرة ومتوسطة، تشغل 60 بالمائة.
ما هو النسيج المناولاتي، كيف يكون وما هي أهميته؟
النسيج المناولاتي هو نسيج من شركات، الدولة أو الشركة تقوم بإنجاز مشاريع ما، سواء في قطاع البناء أو مثلا مشروع الحديد بمنجم تندوف، الدولة قررت وقف بيع الحديد الخام، أي نقله مباشرة من تندوف عبر بشار إلى ميناء وهران لتصديره على حالته، في هذه الحالة لا توجد قيمة مضافة للإقتصاد الوطني، لذلك لجأت الدولة إلى إدخال المناولاتية لتحقيق قيمة مضافة، وهذا عبر تحويل الحديد إلى إما منتوجات نصف مصنعة أو مصنعة لخلق الثروة، بالإضافة إلى أن المناولاتية تجلب شركات، وهذه الشركات عبارة عن سلسلة كل حلقة منها تكمل التي قبلها، والفائدة من ذلك تكون المردودية، أي أن كل فرد له دور، ما يؤسس لنظام “عجلات دوارة”، إذ ان كل قطاع تدور أشغاله بشكل سلسل ومتناسق، وكما هو معروف، فإن البنيان هو ما يحرك العجلة الإقتصادية.
وبنظرة بعدية، نرى بانه لا يجب أن تبقى الدولة هي المشغل الوحيد لعجلة الإقتصاد، من الأفضل أنه بفضل النسيج المناولاتي والمؤسسسات الناشئة، التي تتلقى اليوم الدعم الكامل، وبالعودة للنموذج الإيطالي، فقد وصلوا إلى رقم 15 ألف شركة ناشئة، هي الشركات التي تسمح بجلب الإختراع والإبداع والفكرة، وهو الإيداع الذي تتبناه لاحقا الحاضنات، التي بدورها تدعم الشركات الناشئة، مثلا في مجال البيئة والرسكلة.
قطاع صناعة السيارات.. غياب المناولة أسقط حلم “صناعة سيارة جزائرية” في الماء
في سياق آخر، ما حدث سابقا في ملف السيارات، هو أن الأمر كان يتعلق بـ”وهم الإستثمار”، و”ورشات من اجل نفخ العجلات”، لأن نسبة الإدماج، وهنا الحكومة حاليا تشدد على أن أي استثمار على الأقل يكون توطين الإنتاج بنسبة 40 إلى 50 بالمائة، بغض النظر عن المجال سواء الفلاحة أو الصناعة أو الخدمات أو غيرها.
وكمثال بالنسبة لصناعة السيارات، البداية كانت عكس ما يجب أن يكون، أطلقنا “صناعة السيارات” بينما لا نصنع قطع الغيار، لم نكن نملك سوى مصنع عجلات وبعض المؤسسات المصغرة العاملة في مجال البلاستيك، للتحكم في صناعة ما، يجب التحكم فيما يسمى “سلسلة القيم”، وسلسلة القيم هي سلسلة تبدأ من المواد الأولية وتصل إلى التخزين، التهيئة وحتى التسويق، بينما في ملف السيارات لم نكن نملك هذا، لا نسيج صناعي ولا مناولاتي، كنا نملك ورشات ضخمة نستورد السيارات، نركب لها العجلات ونبيعها، وهذا وهم الإستثمار.
اليوم، إذا لم تملك على الأقل 50 أو 60 بالمائة شركات مناولة، أي قطع الغيار تصنع في الجزائر، وهو ما سيسمح بخلق مناصب شغل، وتوفر احتياجات السوق.
المناولة لتحقيق التنويع الإقتصادي
كما سيسمح بإنشاء مجموعة من الشركات الاقتصادية المتختصة في مختلف المجالات ويذكر أن الاقتصاد العالمي يبنى على هذا النوع من الشركات المناولة , مثل الصين التي بلغت نسبة الشركات المناولة فيها 50بالمئة , وأوروبا التي بلغت 15 بالمئة , و بلغت في أمريكا 35 بالمئة .
أما الجزائر فتبقى بعيدة جدا عن كل هذه الأرقام وتعرف تأخرا كبيرا نظرا لعدة عوامل. أهمها , عدم التحكم في المواد المادة الأولية وكذا نقص التكنولوجيا والتكوين . وهذا ما جعل من الرئيس تبون يقوم بالعديد من الزيارات من أجل جلب الخبرة الأجنبية عن طريق تكوين المهندسيين والمختصيين من كا من , تركيا .ايطاليا , الصين , ودول الخليج, من أجل قفزة في مجال المناولاتية والذي يعتبر عنصرا هاما لتحقيق اقلاع اقتصادي سليم .
التحكم بالتكنولوجيات الحديثة وتسخيرها في المجال الأكاديمي..
أما في مجال قطاع التربية والتعليم الجزائر متأخرة في المجال التكنولوجي في صار يخلق ثروة اليوم دون منازع . فاليوم صار واحد “سمارتفون” يساوي برميل بترول , وهذا ما يدعونا الى إعادة النظر في البكالوريا المهنية التي تسمح لنا ان نستفيد من المادة الرمادية لطلبتنا في مختلف الشعب . عن طريق الابتكار والاختراعات الجديدة التي تضيف جديدا في مجال المؤسسات الناشئة .
المناولة تقوم بتقديم الكثير من الحلول منها ما يتعلق نقص مردودية الإنتاج . مثل شركة نوكيا التي لم تلتحق بركب التكنولوجيا والمناولة وهذا ما أدى إلى افلاسها وانسحابها من السوق .
رابط دائم: https://mosta.cc/ngt6q