بقلم: براهمي محمد الصالح
تحتفل الجزائر، اليوم الخميس، باليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، المصادف للرابع أوت من كل سنة، والذي أقره رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، السيد عبد المجيد تبون، عرفانا للدور المحوري للمؤسسة العسكرية في مسيرة بناء الوطن والحفاظ على الوحدة الوطنية والدفاع عن السيادة الوطنية.
ويأتي إقرار اليوم الوطني للجيش، تأكيدا لرابطة “جيش-أمة” والتي تميّز الجيش الجزائري، سليل جيش التحرير، عن جيوش دول أخرى، تسمى بجيش الملك فلان أو الجناح الفلاني.
اليوم الوطني للجيش.. عرفان لورثة رسالة الشهداء
وكان الرئيس تبون قد أعلن خلال اجتماع عقده مطلع السنة الجارية بمقر وزارة الدفاع الوطني عن قراره بترسيم الرابع من أوت يوما وطنيا للجيش الوطني الشعبي، منوها في خطاب ألقاه بالمناسبة بجهود “الجيش الجزائري المسالم في الدفاع عن الجزائر بشراسة”.
وفي العدد 39 للجريدة الرسمية الصادر شهر جوان الماضي، صدر المرسوم الرئاسي رقم 22-217 المؤرخ في 8 ذي القعدة عام 1443 الموافق 8 جوان سنة 2022، يتضمن ترسيم هذا اليوم الوطني الذي يخلد تاريخ تحويل جيش التحرير الوطني إلى الجيش الوطني الشعبي في 4 أوت 1962، مع إبراز مواصلة المؤسسة العسكرية القيام بدورها “بدون هوادة في مسيرة بناء الوطن والمحافظة على الوحدة الوطنية والاستقلال والدفاع عن السيادة الوطنية وكذا الحفاظ على وحدة التراب الوطني”.
ويتم الاحتفال بهذا اليوم الوطني على مستوى جميع مكونات الجيش الوطني الشعبي المنتشرة عبر كامل التراب الوطني، من خلال تنظيم تظاهرات وأنشطة مختلفة تمجيدا وعرفانا لشهداء ومجاهدي ثورة التحرير المباركة ولشهداء الواجب الوطني ولكبار معطوبي مكافحة الإرهاب وكذا أفراد الجيش الوطني الشعبي على تفانيهم الراسخ وتضحياتهم الجسام.
عصرنة الجيش الوطني الشعبي.. نتائج باهرة وطفرة غير مسبوقة في سنوات قليلة
ويعرف الجيش الوطني الشعبي في السنوات الأخيرة طفرة مشهودة في عصرنة وتحديث قدرات قوام المعركة والاحترافية وتنمية وتأهيل العنصر البشري.
وقد تمكن من تحقيق نتائج باهرة في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من باب الدفاع عن مبادئ الثورة المجيدة وصون سيادة وأمن الوطن وحماية الحدود وحرمة الأراضي ووحدة الشعب، إلى جانب مساهمته في تطوير الاقتصاد الوطني من خلال استراتيجية مدروسة تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتلبية حاجيات السوق الوطنية وتطوير القاعدة الصناعية للبلاد.
وقد كانت هذه الجهود محل تقدير وعرفان من قبل رئيس الجمهورية الذي أشاد في كل مناسبة بالأدوار الريادية والمحورية للجيش الوطني الشعبي الذي يواصل مهامه في حماية الوطن، وفاء لرسالة الشهداء.
وقد أكد رئيس الجمهورية في لقائه الأخير مع الصحافة الوطنية أن قوة الجيش الجزائري تكمن في كونه “جيش-أمة” بحيث تمكن من تأسيس رابطة قوية مع الشعب الجزائري الفخور بمؤسسته العسكرية.
الإستعراض العسكري بمناسبة ذكرى استرجاع السيادة الوطنية.. تجلٍ لإحترافية وتطور الجيش
وقد تجلى هذا الاعتزاز والافتخار خلال الاستعراض العسكري الذي نظمه الجيش الوطني الشعبي بمناسبة إحياء الذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية.
وخلال هذا الاستعراض العسكري الذي أبان عن احترافية في الأداء وتطور لافت لمنظومة الدفاع الوطنية، أكد رئيس الجمهورية في كلمة له تقدير الأمة للجيش الوطني الشعبي الذي وصفه بـ “درعِ الجزائر وحامل لواء جيش التحرير، الذي نشهد معه باعتزاز ما أحرزه من مكاسب وإنجازات عظيمة”، منوها بما وصل إليه الجيش من “احترافية وتحكم عال في العلوم والتكنولوجيا العسكرية، إلى جانب تمسكه بمعاني الوفاء للشهداء ولرسالة نوفمبر الخالدة”.
وأوضح الرئيس تبون في رسالة وجهها إلى رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، بمناسبة نجاح هذا الاستعراض العسكري، بأن المؤسسة العسكرية “وضعت أقدامها باقتدارٍ وكفاءة على طريق امتلاك ناصية العلوم الحديثة والتكنولوجيا العسكرية العالية، وهو ما من شأنه أن يجعل منها مؤسسة مواكبة ومستوعبة لأحدث ما يستجد في المجال العسكري ويزيدها حظوة وتقديرا في ضمير الأمة”.
وبدوره، أكد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، خلال ترأسه لحفل تكريم وتهنئة لإطارات ومستخدمي الجيش الوطني الشعبي المشاركين في الاستعراض العسكري، أن “سلاح الجيش الوطني الشعبي موجه حصرا للدفاع عن الجزائر وحماية حدودها والذود عن سيادتها الوطنية، إلى جانب المساهمة في إحلال السلم والاستقرار في العالم تحت وصاية الأمم المتحدة”، وأن الجزائر “تعبر بكل وضوح عن إرادتها وعزيمتها للاضطلاع بدور محوري على الساحة الإقليمية والدولية في إطار القانون الدولي”.
أكاديمية الرئيس الراحل هواري بومدين بشرشال.. فخر المؤسسة العسكرية ومنبت الأبطال
وشدد الفريق أول السعيد شنقريحة، في كلمة له خلال مراسم الحفل السنوي لتخرج الدفعات بالأكاديمية العسكرية لشرشال على أن الجيش الوطني الشعبي “كان دائما عنوانا للوحدة الوطنية ولعب دورا مشهودا في التنمية الوطنية وسيواصل مهامه الدستورية”.
وقد تعززت هذه المهام الدستورية في دستور نوفمبر 2020، الذي إلى جانب تكريسه للأدوار المنوطة بالجيش الوطني الشعبي، فإنه مكن من خلال المادتين 31 و91 من مشاركة الجيش في بعثات حفظ السلام بإشراف الأمم المتحدة للتصدي مسبقا إلى أي تهديد خاصة في المنطقة وترقية وحماية المصالح الاستراتيجية للبلاد.
وأكد هذا التعديل الدستوري على أن الخيارات الاستراتيجية للجزائر لا رجعة فيها وأن المبادئ العقائدية لسياستها الخارجية وتلك الخاصة بالدفاع الوطني ثابتة ولا تتغير، كما أبرز ضرورة تكيف الجيش الوطني الشعبي والبلاد مع المعطيات الجيوسياسية الجديدة التي تملي كخيار لا مناص منه، المشاركة في الأمن الجماعي للدفاع على المصالح الجيو-استراتيجية للجزائر.
الجيش الجزائري.. حماية المصالح الوطنية داخل وخارج الوطن
وتنص المادة 31 من الدستور أنه “يمكن للجزائر، في إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية، أن تشارك في حفظ السلام”، وحسب المادة 91 فإن رئيس الجمهورية “يقرر إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان”.
وينفرد الجيش الوطني الشعبي عن بقية جيوش العالم بكونه لم يتأسس بمرسوم، وهذا من بين العوامل التي تفسر الدلالات العميقة للبعد الوطني والامتداد الشعبي لسليل جيش التحرير الوطني الذي ولد من رحم معاناة شعب تكبد الويلات وقرر تفجير واحدة من بين أعظم الثورات في القرن العشرين.
الصناعة العسكرية.. رافد مهم من روافد الاقتصاد الوطني
ولكون الجيش الوطني الشعبي الجزائري، جيش الشعب وليس جيش الملك الفلاني أو الجهة الفلانية، فإن دور المؤسسة العسكرية في الرفعة بالأمة الجزائرية يتجاوز الأدوار التقليدية إلى أدوار إجتماعية وإقتصادية، وهو ما اددى إلى بروز الصناعات العسكرية، خاصة الميكانيكية منها بقوة في الساحة.
الروس ينبهرون بالتطويرات الجزائرية لناقلة الجنود الروسية
تحدثت صحيفة روسية، بتاريخ 7 جويلية الماضي، بإنبهار عن التعديلات التي أدخلها الجيش الجزائري على دبابات ومدرعّات روسية الصنع، ظهرت في الاستعراض العسكري الخاص بستّينية الاستقلال.
وقالت “روسيسكايا غازيتا” في تقرير لها، إن ناقلات الجنود “بي تي إر-60 بي بي” التي وصلت إلى الجزائر في سبعينات القرن الماضي، خضعت لعدّة عمليات تطوير وتعديل في الجزائر.
وكانت نتيجة هذه التعديلات الجزائرية، أن ناقلات الجنود سوفييتية المنشأ، اكتسبت قدرة على مكافحة أحدث الدبّابات غربية الصنع.
ويتمثل السلاح الأساسي لهذه الآليات في صواريخ “كورنيت أ” الروسية المضادة للدروع. وقد تمّ تجهيزها في الجزائر بأجهزة تضمن الدقّة في تصويب الصواريخ نحو الأهداف المعادية.
كما حصلت آليات “بي تي إر- 80” أيضا على صواريخ “كورنيت” المضادّة للدبابات، بعد التعديلات التي أدخلتها الصناعة العسكرية الجزائرية.
إلى جانب ذلك، نُزعت من الآليات الروسية محركاتها القديمة التي تعمل بالبنزين، لتحلّ محلّها محرّكات الديزل الحديثة، وقد سمح هذا التعديل بتعزيز القدرات الحركية للآليات، وتقليل استهلاكها الوقود.
حضور دائم في التظاهرات الاقتصادية
وحرصت قيادة المؤسسة العسكرية على تكريس الدور الاقتصادي للجيش الوطني الشعبي، ومساهمته في إنجاح مخطط الإقلاع الاقتصادي، والترويج لما تنتجه المؤسسات الاقتصادية التابعة لها، عبر الحضور الدائم في مختلف المعارض والتظاهرات الاقتصادية.
وآخر تلك التظاهرات، كان معرض الجزائر الدولي، الذي كانت فعالياته ما بين 13 و18 جوان الماضي، والذي حضرت فيه المؤسسة العسكرية بـ19 مؤسسة إقتصادية، في قطاعات الصناعة الميكانيكية، النسيج وبناء السفن
وكان رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، قد زار خلال افتتاحه معرض الجزائر الدولي، الجناح المخصص لوزارة الدفاع الوطني، حيث وقف مطولا على ما تقدّمه المؤسسة العسكرية من إنجازات في صناعات متعددة المجالات، منوّها بالروح الوطنية العالية التي يتحلى بها القائمون عليها.
وكانت المحطة الأولى للسيد الرئيس، جناح مديرية الصناعة العسكرية، حيث استمع إلى عرض شامل عن إنجازات مجمع ترقية الصناعة الميكانيكية، المتمثلة في صناعة المركبات والشاحنات من مختلف الأصناف، وأبدى السيد الرئيس إعجابه بهذه الصناعة المتطوّرة التي تعتمد على إمكانات جزائرية 100 بالمائة، وعبّر عن ثقته في القائمين على المجمع، لتقديم المزيد، لا سيما في مجال دعم صناعة لوازم السكك الحديدية.
وواصل السيد الرئيس زيارة جناح وزارة الدفاع الوطني، بالوقوف عند الشركة الجزائرية لإنتاج المتفجرات، والمديرية المركزية للعتاد، ومؤسسة الإنجازات الصناعية بسريانة، ومؤسسة تجديد عتاد السيارات، ومركز الهندسة والتطوير في الميكانيك والإلكترونيك، ومؤسسة البناء والتصليح البحرية، ومؤسسة الألبسة ولوازم النوم.
وشدّد رئيس الجمهورية على أهمية دعم الصناعة الوطنية بأدوات جزائرية 100 بالمائة، بالإضافة إلى حثّه على استحداث اتحادات صناعية دولية، لا سميا وأن الجزائر قادرة على تسديد مستحقاتها المالية، حفاظا على مصداقية البلاد، مؤكدا على ضرورة تشجيع الإدماج، خصوصا بالاعتماد على المنتوج الوطني، من أجل خلق مناصب شغل.
وبخصوص المشاركة الأولى من نوعها للصناعات العسكرية في المعرض، صرّح العقيد غربي محمد فوزي، مدير الإننتاج للمؤسسة العمومية ذات طابع صناعي وتجاري القاعدة المركزية للإمداد، أن “مشاركة المؤسسة العمومية ذات طابع صناعي وتجاري، القاعدة المركزية للإمداد، التابعة للمديرية المركزية للعتاد، في أول مساهمة في المعرض الدولي للجزائر، إذ قامت بالتعرف على بعض المؤسسات الأجنبية، ومؤسسات عمومية وخاصة أخرى. كما تساهم المؤسسة عبر إبراز بعض المنتوجات الخاصة بها من قطع غيار، ومنتوجات كهربائية، معروضة على مستوى الساحة الخارجية للمعرض، كما نتمنى من جميع المؤسسات العمومية والخاصة التقرب إلى هذه المؤسسة والمساهمة في الإنتاج الوطني وتقليص فاتورة الإستيراد”.
أما المقدم يخلف يخلف، ممثل عن مؤسسة تجديد عتاد الطيران، الشهيد عبد العزيز سيد أحمد، من الناحية العسكرية الأولى والمتواجد مقرها في الدار البيضاء بالجزائر العاصمة،
ان مؤسسة تجديد عتاد الطيران هي مؤسسة عمومية ذات طابع صناعي وتجاري، تابعة للقطاع الإقتصادي للجيش الوطني الشعبي، من مهامها المراجعة العامة، وكذا الصيانة، تصليح والتدخلات الميدانية للطائرات القتالية، طائراتا لنقل والحوامات التابعة لقيادة قواتنا الجوية، وكذا صناعة قطع الغيار بالإستعانة بأجهزة حديثة وجد متطورة.
وهذا، يقول المقدم يخلف يخلف، لضمان إسناد دائم لقواتنا الجوية ودعما للإقتصاد الوطني، من خلال الرفع من قدراتها الإنتاجية، وتوسيع نطاق خدماتها إلى القطاع المدني.
وبخصوص العمال والإطارات المنتمين إلى المؤسسة، أكد المقدم يخلف يخلف، في تصريحه ليومية “المستثمر” على هامش معرض الجزائر الدولي، على أن كل إطارات المؤسسة سواء كانوا تقنيين أو مسيرين جزائريون مائة بالمائة، ولهم كفاءة عالية إذ يحوزون الخبرة الكاملة.
أما محور نشاط المؤسسة، فهو التسيير الصارم والدقيق للأشغال التقنية في مجال الطيران ومتابعة لمؤهلات المستخدمين من تقنيين ومهندسين.
مؤسسة تطوير صناعة السيارات تُسوق 3500 مركبة منذ بداية السنة
ومن الاجنحة الأخرى التي توافد عليها الزوار بقوة خلال المعرض جناح مؤسسة تطوير صناعة السيارات، التابعة لمديرية الصناعات العسكرية، مع فرعها الشركة الجزائرية لتصنيع السيارات من علامة مرسيدس بنز لعين بوشقيف (تيارت) التي تصنع سيارات نقل ب”نسبة تكامل تبلغ 30 بالمائة”، حسبما صرح لوأج ممثل مؤسسة تطوير صناعة السيارات الملازم الأول مصطفى تلمساني.
واوضح قائلا انه تم وضع هذه السيارات، تحت تصرف المؤسسات العمومية والخاصة وعامة الناس، لا سيما الخواص، مع “ما لا يقل عن 3500 مركبة تم بيعها من طرف الشركة الجزائرية لتصنيع السيارات منذ 1 يناير 2022″، مذكرا أنه في سنة 2018 تم تسويق أكثر من 5000 سيارة من قبل هذه الشركة.
كما كشف الملازم الأول تلمساني أن الشركة الجزائرية لصناعة الوزن الثقيل للرويبة “قد حققت معدل تكامل يقارب 90 بالمائة بالنسبة للمركبات الثقيلة من علامة سوناكوم”، وهو ما وصفه بمعدل “متميز”.
نفس الشيء بالنسبة للصناعة العسكرية في مجال الطيران التي تساهم بدورها في تحقيق الاندماج الصناعي الوطني من خلال مؤسسة تجديد عتاد الطيران (الدار البيضاء- الجزائر العاصمة) التي تتكفل بالصيانة العامة للطائرات المقاتلة وطائرات النقل والمروحيات، ولكن أيضا بتصنيع قطع الغيار الميكانيكية وبالتجارب الميكانيكية والعديد من النشاطات الأخرى.
وأكد المقدم يخلف يخلف الذي كان يرد على تساؤلات جميع زوار جناح هذه المؤسسة إن خبرة هذه المؤسسة لا تفيد فقط معدات الجيش الوطني الشعبي، بما أنها تقدم خدماتها إلى الخطوط الجوية الجزائرية وطيران الطاسيلي.
كما أنه لم يخف فخره بالانتماء إلى مؤسسة تساهم في تلبية الطلب الوطني على المنتجات والخدمات بمعدلات اندماج معتبرة.
رابط دائم: https://mosta.cc/lt96z