باشرت الجزائر في السنوات الأخيرة سلسلة من الاستثمارات في قطاع السكك الحديدية لتوسيع شبكتها الوطنية، والتي ستربط مختلف جهات البلاد بخطوط القطارات، وحتى توصيلها إلى بعض الدول الأفريقية المجاورة.
هذا ما يوضح ان القطاع الذي يشهد ديناميكية توسع كبيرة وعصرنة، و هو مرشح لان يلعب دورا محوريا في انعاش الحركة الاقتصادية الوطنية.
في هذا الصدد، أكد المدير العام للوكالة الوطنية لدراسة و متابعة انجاز الاستثمارات في السكك الحديدية، عز الدين فريدي، أن الاولوية قد اعطيت لنقل البضائع بالسكك الحديدية عبر ربط الموانئ و المناطق الصناعية و المشاريع المهيكلة الكبرى بغية اعادة تنشيط الاقتصاد الوطني. وان هذه الديناميكية سيتم ارفاقها ايضا بإنجاز خطوط دولية تربط الجزائر بإفريقيا الواقعة جنوب الصحراء و بدول عربية من اجل تشجيع الصادرات خارج المحروقات..
12 مليون طن من البضائع سنويا في آفاق 2025
و من أجل تعزيز هذه الديناميكية قامت الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية بوضع استراتيجية للتطوير تهدف للوصول الى 55 مليون مسافر و 12 مليون طن من البضائع سنويا في آفاق 2025، حسب ما اكدته ممثلة هذه المؤسسة العمومية، فتيحة بوعبد الله، التي قالت أن الاستراتيجية الجديدة للشركة تطمح الى عصرنة تسييرها للموارد البشرية و الرفع من حصصها في السوق سواء المسافرين او البضائع و تحسين نوعية الخدمات و تعميم رقمنة الخدمة.
أما بخصوص آفاق نقل البضائع فانه من المتوقع ان يتم خلال السنة الجارية نقل متعدد الوسائط لمنتجات الحديد و الصلب انطلاقا من مجمع توسيالي، ونقل الصفائح، و نقل متعدد الوسائط لمادة الكلينكر الى ميناء جن جن (جيجل) عبر ارضية التخزين الواقعة بمحطة بازول.
أما على المدى المتوسط فإن الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية تنوي ربط شبكتها بسبع صوامع تخزين تابعة للديوان الجزائري المهني للحبوب و مجمع توسيالي (بطيوة/ارزيو) مضيفة ان المؤسسة تسعى على المدى الطويل الى ربط مشروع ميناء الوسط (تيبازة) و مشروع استغلال منجم الحديد بغار جبيلات (تيندوف) و المشروع المدمج للفوسفات (تبسة).
كما أوضحت انه “من غير الممكن التفكير في الاستغلال على نطاق واسع لغار جبيلات بدون خط سكة حديدية”، داعية الى”الشروع في اقرب وقت بإعداد دراسات خط السكة الحديدية الرابط بين بشار-تيندوف-غار جبيلات”.
عصرنة وتطوير أداء النقل بالسكك الحديدية.. ضرورة
دعا وزير النقل عبد الله منجي، إلى ضرورة عصرنة وتطوير أداء الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية والوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة الاستثمارات في السكك الحديدية
وجاء ذلك في بيان للوزارة، ورد فيه أنّه “برسم اجتماع للوزير مع إطارات من الوزارة وكل من المدير العام للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية وعدد من كوادرها، والمدير العام للوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة الاستثمارات في السكك الحديدية وعدد من إطاراتها، جرى تقديم توجيهات تمحورت حول ضرورة عصرنة وتطوير أداء هذه المؤسسات من خلال تحديث نظم التسيير وجعلها أكثر نجاعة، والتحكم في التكاليف من خلال استراتيجيات واضحة المعالم وبأهداف في المتناول، وأضاف الوزير أنه يجب على هاتين المؤسستين الاعتماد على نظام معلوماتي شامل خاصة فيما يتعلق بتسيير القدرات البشرية وتطوير الخدمات عن طريق الاعتماد على الرقمنة ومختلف الوسائل الإلكترونية والتكفل الجيد بالانشغالات المعبر عنها من طرف المواطنين بالإضافة إلى الاعتماد على مختلف الوسائل التكنولوجية المتاحة في العملية الاتصالية وتوسيع نطاقها.
وذكّر الوزير منجي بمهام هذه المؤسسات الحيوية التي تقدم خدمة عمومية، مؤكدا على ضرورة أن ترقى لتطلعات المواطنين، إذ تعتبر جزء لا يتجزأ من يومياتهم، وذلك من خلال فك العزلة وربط مختلف ربوع الوطن، كما أنها تساهم وبشكل كبير في تنمية النشاطات الاقتصادية وخلق ديناميكية مستدامة.
و بالمناسبة قدم المدير العام للشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية عرضاً حول وضعية المؤسسة ونشاطاتها ومختلف الإمكانيات التي تتوفر عليها، سواء تعلق الأمر بنقل المسافرين أو البضائع، كما تم التطرق إلى الاستراتيجية المسطرة والرؤية الجديدة للرفع من أداء الشركة على المدى القريب، المتوسط والبعيد.
من جهته، عرض حينها المدير العام للوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة الاستثمارات في السكك الحديدية، مختلف المشاريع الهيكلية الهامة التي تم إنجازها والمشاريع قيد الإنجاز والأهداف المسطرة ضمن البرنامج الوطني لتطوير النقل بالسكك الحديدية.
الاستثمار في قطاع السكك الحديدة تحديًا كبيرًا
يرى أهل الاختصاص أن الاستثمار في قطاع السكك الحديدة تحديًا كبيرًا للحكومة بالنظر إلى العائدات الاقتصادية المرجوة من وراء هذه المشاريع، وكذا بالنظر إلى الوضعية التي تعيشها الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية.
و هنا أشار الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي في حديثه لجريدة “المستثمر”، أن الوضع لن يستطيع إعاقة الحكومة في تنفيذ المشاريع المسطرة لأنها تعمل على تطوير قطاع السكك الحديدية، فعلى غرار الاغلفة المالية الكبيرة التي رصدتها الدولة لحجم المشاريع المتعلقة بقطاع السكك الحديدية، تأتي خرجات رئيس الجمهورية في الفترة الماضية نحو العديد من البلدان، لتثمر بالخروج بالعديد من الاتفاقيات لصالح العديد من القطاعات منها ما تعلق بالمنشآت القاعدية و تطوير السكك الحديدية، و هو ما يؤكد أن القطاع يعد أحد شرايين الاقتصاد في العالم لأنها تدخل إلى المناطق والأقطاب الصناعية لربطها بالموانئ والمطارات.
هذا ما يوضح أهميتها الحيوية والاقتصادية لما توفره من قاعدة لوجيستية لنقل مختلف السلع المواد النهائية والمنتجات النهائية والمسافرين.
و استطرد محدثنا يقول ” السكك الحديدية من القطاعات الحيوية في أي تنمية اقتصادية، و الحكومة الجزائرية تعول على النهوض بالاقتصاد الوطني، و ان أي تنمية اقتصادية لابد لها من توفير بنى تحتية، منها السكك الحديدية الذي يعتبر ثاني قطاع في النقل بعد القطاع البحري من حيث انخفاض التكاليف، حيث يمكن من خلال قطار واحد حمل اكثر ما تنقله 50 شاحنة هذا ما يساعد في خفض التكاليف و المحافظة على الطرقات و ضمان سرعة النقل، و باستكمال الخطوط خاصة خط الهضاب الذي يربط الشرق الجزائري بالغرب، و برمجة خطوط اخرى من بشار الى تندوف قصد استغلال غار جبيلات، سيعطي للمنطقة ديناميكية اقتصادية كبيرة، حيث ستكون المناطق الجنوبية قريبة من الشمال المصانع والمطارات، مع العلم أن السكك الحديدة ستساهم في نقل المواد الأولية إلى المصانع لإعادة تصنيعها أو تصديرها من الأقطاب الاقتصادية الجديدة كتندوف والوادي وتمنراست “، مشيرا الى ان طول السكة الحديدية في الجزائر الذي يصل الى اكثر من 6200كلم وهو رقم مهم جدا الا انه يبقى بعيدا عن طموحات البلد القارة، هذا ما يتطلب حسبه مضاعفة المجهودات، وهو ما تعول عليه الحكومة اليوم من اجل ايصال السكة الحديدية الى اقصى الجنوب و الدخول بقوة الى منطقة التبادل الحر الافريقي، و هي كلها استثمارات تتطلب أموالا ضخمة، معتبرا ان ما رصدته الحكومة من اغلفة مالية كبيرة تبقى غير كافية، لذلك تمت الدعوة من خلال زيارات الرئيس الاخيرة نحو قطر و الكويت الى الاستثمار في هذا المجال، و هي خطوة مهمة من اجل رفع القدرات و الوصول الى مستوى البلدان المتطورة .
قوة تفاوضية أخرى من اجل المزيد من الاستثمارات في القطاع
يرى محدث جريدة المستثمر، الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي، أنه عبر قطاع النفط بالجزائر الذي يشهد تحركات نحو العمل على اكتشاف حقولٍ جديدة، بهدف زيادة الإنتاج والتصدير للاستفادة من أسعار الطاقة المرتفعة، خاصة مع الاكتشافات الضخمة الجديدة التي تأتي مع توجه الأسواق الغربية، خصوصًا الأوروبية، نحو البحث عن بدائل عن الإمدادات الروسية، فرصة مهمة للجزائر تمنحها قوة تفاوضية مع الشركاء الاوروبين فيما يخص ضخ كميات اضافية من الغاز في السوق الاوربية مقابل استثمارات جديدة بالجزائر خاصة ما يتعلق بالبنى التحتية.
هذه الاستثمارات خاصة في المناطق التي كانت بعيدة في السابق عن النشاط الاقتصادي سيسمح بتنشيط الحركة الاقتصادية فيها، هذا من خلال خلق مناطق صناعية جديدة، فرص عمل، و مستثمرين جدد، كله بتكلفة نقل معقولة..
رابط دائم: https://mosta.cc/upd51