بقلم: مليكة ب.
يعد التوجه نحو الصيرفة الإسلامية من متطلبات الفترة الراهنة للنهوض بالاقتصاد الجزائري ، أمام جملة التحديات الداخلية و الخارجية من جهة ، و تنامي المعاملات المصرفية الإسلامية ضمن مؤسسات مصرفية إسلامية، أو نوافذ إسلامية في مصارف تقليدية.
و يتضح جليا سعي السلطات العمومية بالبلاد، إلى تطوير الصناعة المالية الإسلامية بالجزائر من خلال إطلاق شبابيك معاملات “حلال” في عدد من البنوك العمومية، من أجل تفعيل السوق المالية وامتصاص الكتلة النقدية خارج المؤسسات البنكية، و تشير الاحصائيات أنه إلى غاية الثلاثي الأول من سنة 2022، تحوز عددا من البنوك العمومية ( البنك الوطني الجزائري، القرض الشعبي الجزائري، الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، البنك الجزائري للتنمية الفلاحية، البنك الجزائري الخارجي)، على ترخيص من طرف بنك الجزائر لتسويق خدمات إسلامية، ما سمح بإطلاق عشرات الشبابيك توفر منتجات وخدمات مالية تطابق الشريعة الإسلامية.
و برأي المختصين فإن الصيرفة الإسلامية، نجحت في نيل ثقة المواطنين الذين يفضلون اللجوء إلى التعاملات وفق أحكام الشريعة الإسلامية، و أن هذه المصارف الجديدة، سيكون لها شأن كبير في الجزائر من حيث منتجات تتعلق أساسا بالعقار وفتح حساب للجزائريين المقيمين بالخارج، والقيام بتحويلات مالية، و مساهمتها في النهوض بالاقتصاد الوطني، هذا مع فتح مزيد من الحسابات المصرفية وجعل ذلك على رأس قائمة الأولويات، خاصة بعد تسجيل أكثر من 15 ألف حساب بنكي وضخ 10 ملايير دج في آخر حصيلة معلن عنها العام الماضي.
و من أجل ترقية الصيرفة الاسلامية فقد تضمن قانون المالية التكميلي 2021 عدة امتيازات جبائية تثملت على وجه الخصوص في الاعفاء من عدة ضرائب و رسوم تعلقت بالعقود المتضمنة لمنتجات الصيرفة الاسلامية في عدة مجالات خاصة بالنسبة لعمليات العقارات و تمليك السكنات و كذا الاستثمارات …
حول العمل المصرفي الإسلامي في الجزائر كبنوك، وكشبابيك إسلامية داخل البنوك التقليدية، يقول المستشار و الاستاذ الجامعي المتخصص في ريادة الأعمال والمالية الإسلامية، علي حدو، إن الصيرفة الاسلامية بما حققته لحد الآن من أرقام تعتبر دعامة لابد منها في ظل وجود زبائن لديهم يبحثون عن البدائل الشرعية، و يضيف في حديث خص به جريدة المستثمر:
تم اختيار سوق الأفراد أكثر من المستثمرين والمهنيين
يقول الدكتور علي حدو أن خدمات المصارف الإسلامية متنوعة منها ما هو مسوق للأفراد وأخرى أيضا للمهنيين والمؤسسات سواء للسلع المنقولة وغير المنقولة، والذي شاهدناه على المستوى الدولي، أنها حاولت الدخول في كلا السوقين سواء للأفراد من خلال تمويلات استهلاكية وكذا للمؤسسات من خلال تمويلات استثمارية واستغلالية، إلا أن التمويل الاستهلاكي طغى عليها إلى جانب تمويل التجارة الخارجية، بسبب الشروط المصرفية الموضوعة والتي لا تتوفر دائما في المهنيين والمؤسسات بصفة عامة، وإنما توفرت فقط في الأفراد ومتعاملي التجارة الخارجية، ولهذا نقول أن أسلوب إدارة المخاطر يحتاج إلى إعادة نظر خاصة من حيث التطوير والإبتكار؛
أما في الجزائر، فإن المصارف الاسلامية الخاصة بالرغم من أنها قديمة لكن أصولها جد قليلة مقارنة بالبنوك العمومية التي تستحوذ على 87 % من إجمال أصول النظام، والباقي يقسم بين مجمل المصارف الخاصة بما فيها الاسلامية ولهذا اتخذت هذه المصارف الاسلامية الخاصة أسلوب دفاعي في إدارة مخاطرها بتجنب أي مخاطر شبه مرتفعة والاكتفاء فقط بالحصص السوقية الحالية وإن كانت ضئيلة؛ ولما تم اطلاق النوافذ الاسلامية على مستوى المصارف العمومية الستة وبعض المصارف الخاصة، سلكت هذه النوافذ نفس السلوك والذي نرجعه إلى نقص الثقافة المؤسساتية الداخلية والخارجية لهذه الصناعة التي تحتاج إلى تكوين تدريجي مع الوقت، وإلى ضآلة الأصول الحالية خاصة مع ضرورة الفصل المالي والمحاسبي والاداري وبهذا تصبح هذه النوافذ عبارة عن مصارف فتية داخل المصارف التقليدية، تمتاز بضعف قدراتها ومساحاتها المالية وهو ما يؤدي لعدم الدخول في غمار المخاطر الاستثمارية، وربما لهذا انطلقت العملية بتسويق لمنتجات تحاكي المنتجات التقليدية وتم اختيار سوق الأفراد أكثر من المستثمرين والمهنيين، ولم يتم الانفتاح على التمويل الخارجي من طرف النوافذ الاسلامية ربما بسبب عدم استعداد الموارد البشرية بعد لهذا النوع من المنتجات بالرغم من توفرها في نفس المصارف العمومية في شقه التقليدي.
الصيرفة الاسلامية بما حققته لحد الآن من أرقام تعتبر دعامة لابد منها
يضيف محدث جريدة المستثمر يقول إن الصيرفة الاسلامية بما حققته لحد الآن من أرقام تعتبر دعامة لابد منها في ظل وجود زبائن يبحثون عن البدائل الشرعية، وأما مسألة النجاح في كسب ثقة المواطن فهذا الأمر يحتاج إلى دراسة خاصة للسوق الجزائرية، لأن النقود التي تعتبر خارج التيار الرسمي مازالت متواجدة في السوق الموازي، وما المصارف الإسلامية لا تهتم بجدية عالية لدراسة مستوى رضا الزبائن الحاليين وأسباب عزوف باقي الزبائن، لأن بفضل نتائجها يمكن تحديد سياسة اتصال فعالة للمصارف الاسلامية وآليات تسويقية مكيفة مع السوق الجزائري لخدمات الإيداع والدفع وآليات الرفع من جودة إدارة أنظمة الدفع اليدوية والالكترونية حسب معايير التكلفة والسرعة والنوعية حتى تصل المصارف الإسلامية لكسب أكبر حصة ممكنة من الزبائن، وتبقى الجودة ليست السبب الوحيد لعزوف الزبائن وإنما أيضا التهرب الضريبي وأزمة الثقة عموما بسبب التجارب السابقة لمصارف أفلست ولم يتلقى مودعوها تعويضات ليومنا هذا.
للمصارف الإسلامية دور هام في تمويل المشاريع الاستثمارية، غير أن مساهماتها في الجزائر لا تزال ضئيلة
إن المصارف الاسلامية مؤسسات ربحية وهي بذلك تدخل في المؤسسات المقاولة التي تبحث عن الربح بتكاليف أقل في ضل الثنائية عائد / مخاطرة، ونستطيع تقسيم الاستراتيجيات لإدارة المخاطر بين السياسة الجريئة والأخرى الدفاعية كما أسلفنا، للأسف فإن المصارف الاسلامية في العالم وفي الجزائر عمدت لاختيار الاستراتيجية الثانية، والابتكار من أجل تعزيز الدفاع والتحوط وتجنب المخاطرة الجريئة بالرغم من أن عوائدها أكبر، وقد يرجع سبب الاحتراز إلى البيئة التي تعمل فيها هذه المصارف سواء اجتماعيا أو البيئة القانونية وكذلك البيئة الاقتصادية مثل نقص الشفافية والافصاح وكل هذا دفع المصارف الاسلامية لاختيار الاجراءات والمنتوجات الآمنة دائما خاصة أن المصارف الاسلامية مثل غيرها تعمل بأموال الغير ومضطرة لاحترام إجراءات السلامة المصرفية المفروضة .
الدعوة لتكوين موارد بشرية مؤهلة
و من أجل تمكين هذا النمط من المالية في الجزائر دعا مشاركون في الطبعة الرابعة للملتقى الدولي للصيرفة الإسلامية إلى ضرورة تكوين موارد بشرية مؤهلة، باستحداث تخصصات جامعية و معاهد متخصصة لتكوين أعوان مؤهلين في هذا المجال.
و في هذا السياق، اعتبر الدكتور سعيد بوهراوة باحث جزائري و مدير قسم البحث والابتكار بجامعة ماليزيا، أن نقص الخبرة في مجال المالية الإسلامية “أكبر التحديات” التي تواجهها الصيرفة الإسلامية في الجزائر ، مطالبا بضرورة إستحداث مراكز و معاهد وجامعات لسد العجز في هذا المجال، و أضاف ان التكوين يعد محورا أساسيا و أحد مفاتيح نجاح الصيرفة الإسلامية التي يتوجب على البنك المركزي إيلاءها الأهمية اللازمة من خلال خلق مؤسسات داعمة يسيرها إطارات مؤهلة تتخصص في التسويق و الابتكار في المنتجات و مؤسسات تصميم البرامج الى غيرها من المجالات الأخرى، من جهة أخرى، طمأن الدكتور هراوي، بخصوص الجانب الديني مبرزا ان مرافقة المجلس الإسلامي الأعلى و اجتهاداته الكثيرة ساهمت في تقليص الخلافات المتعلقة بالجوانب الشرعية، و بدوره، أكد الدكتور رضوان لامار، رئيس هذا الملتقى، أن الجزائر تدرك تماما أهمية التمويل الإسلامي و التحولات الحاصلة في هذا القطاع الهام والحيوي و تم ترجمة ذلك الاهتمام الى إجراءات و تدابير قانونية تسمح بتمكين الصيرفة الإسلامية إلا أنه يبقى محور تكوين إطارات مؤهلة مسألة في غاية الأهمية يتوجب التفكير فيها بجدية.
توسيع نشاط الصيرفة الإسلامية لمرافقة الإقتصاد الوطني
و من أجل تعزيز دور الصيرفة الإسلامية في الجزائر، سبق و أن أكد المدير العام للبنك الوطني الجزائري، محمد لمين لبو على أن توسيع نشاط الصيرفة الإسلامية عبر كافة الوكالات البنكية على المستوى الوطني يأتي في سياق مرافقة الاقتصاد الوطني وبرنامج النمو الذي تنتهجه الحكومة، وقال على هامش تدشينه لثاني وكالة بنكية مخصصة حصريا لخدمات الصيرفة الإسلامية بولاية الشلف، أن ” هذه العملية تندرج في إطار البرنامج التوسيعي لنشاط الصيرفة الإسلامية الذي اتخذه البنك كإستراتيجية وكتوجه أولي بما يتوافق مع خطة و برنامج النمو والبعد الاقتصادي الذي انتهجته الحكومة والجهات الوصية في البلاد”، واسترسل قائلا: ” ننتظر خلال السنة الجارية فتح وكالات الصيرفة الإسلامية عبر ولايات أخرى، وبإرادة وتوافق جهود جميع الأطراف الفاعلة سوف ننجح في تحقيق الريادة بالنسبة لهذا النشاط وتنويع الخدمات المقدمة المالية للزبائن”.
من جانبها، أوضحت رئيسة قسم الصيرفة الإسلامية بالبنك الوطني الجزائري، أمينة عثامنية، أن مصالحها تستهدف خلال السنة الجارية فتح عبر كامل ولايات الوطن 12 وكالة بنكية متخصصة في خدمات الصيرفة الإسلامية، وهو ما من شأنه تقديم لزبائن البنك بدائل جديدة من خلال الباقة المتنوعة من المنتجات الإسلامية التي يعرضها، ويعرض البنك الوطني الجزائري على زبائنه خدمات الصيرفة الإسلامية في خمسة منتجات تمويلية هي المرابحة العقارية، المرابحة للتجهيزات، المرابحة للسيارات، إجارة و إجارة عقارية منتهية بتمليك ، كما يعرض البنك كذلك خمسة منتجات للإستقطاب و الإدخار هي الحساب الإسلامي للودائع تحت الطلب، الحساب الجاري الإسلامي، حساب التوفير الإسلامي، حساب التوفير الإسلامي للقصر، و حساب الإستثمار الإسلامي غير المقيد.
الصيرفة الإسلامية بالجزائر بدأت تعطي ثمارها
بدأت الصيرفة الإسلامية بالجزائر تعطي ثمارها، حسب ما أعرب عنه سابقا كبير الباحثين ورئيس شعبة المصرفية الإسلامية بإسرا بماليزيا، يونس صوالحي، حيث أوضح ذات المختص, الذي يشتغل حاليا في الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية بالمالية الإسلامية التابعة للبنك المركزي الماليزي, على هامش افتتاح ملتقى دولي حول التكامل الوظيفي في الصناعة المالية الإسلامية (واقع وآفاق) بكلية العلوم الإسلامية بجامعة باتنة, أن الجزائر مع هذا الانفتاح على المالية الإسلامية بما فيها التأمين التكافلي “هي مؤهلة لأن تصل إلى مستويات عليا من إدماج هذا القطاع في الدورة الاقتصادية”و من المنتظر أن يكون للتأمين التكافلي دور فعال وحيوي في الاقتصاد الوطني لاسيما مع الزيادة في عدد العملاء في هذا الميدان وتبني القطاع التقليدي للفكرة وفتحه لنوافذ إسلامية وتحمسه لفتح أخرى جديدة وتوسع منتجات الصيرفة الإسلامية المطروحة والإقبال المتزايد على التمويل والتأمين الإسلاميين, حسب ذات المختص الجزائري المقيم بماليزيا.
الجزائر ستكون منصة لتجسيد الصيرفة الاسلامية بإفريقيا
من جانبه قال وزير التجارة و ترقية الصادرات، كمال رزيق، أن الجزائر ستكون منصة لتجسيد الصيرفة الاسلامية بإفريقيا باعتبارها خطت خطوات كبيرة في هذا المجال، و أضاف زريق، خلال افتتاح يوم اعلامي حول الصيرفة الاسلامية، نظم بالمدرسة العليا الجزائرية للأعمال، أن الجزائر عملت، على غرار باقي الدول الإسلامية، على تهيئة الظروف المناسبة التي من شأنها إنجاح المعاملات المالية المطابقة للشريعة الاسلامية لفائدة كل المتعاملين الاقتصاديين و المواطنين على حد سواء و ذلك بوضع، و لأول مرة، الإطار القانوني المحدد للعمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، و الذي أفرج عليه البنك المركزي في أبريل2020، و أوضح رزيق، في هذا اللقاء الذي حضره وزير التعليم العالي و البحث العلمي،عبد الباقي بن زيان، انه لانجاح الصيرفة الاسلامية لابد من اقترانها مع التأمين التكافلي بهدف إعطاء دفع قوي للتمويل الاسلامي و تطوير و تنويع الاقتصاد الوطني و التوجه به نحو التصدير، و أضاف بأن الجزائر تملك إطارات و كفاءات كبيرة في مجال الصيرفة الاسلامية بداخل الوطن و خارجه مشيرا إلى ان السلطات أولت أهمية كبيرة للتكوين في مجال التمويل الاسلامي .
رابط دائم: https://mosta.cc/lp8iu