بقلم الدكتور محمد فلاق
يُعتبر التعليم وإنتاج المعرفة من بين أهم وظائف الجامعة، وقد لقت هذه الوظائف الاهتمام الكافي بالدراسة والتحليل من طرف الباحثين والأكاديميين قصد تحسين نوعية التعليم ورفع جودة المعرفة العلمية المنتجة، لكن مع تزايد حجم الأبحاث، عدد المتخرجين عدم ملائمة برامج و تخصصات التكوين مع سوق العمل من جهة، وتزايد حاجيات المجتمع المحيط بالجامعة بالإضافة إلى ضرورة تحقيق التنمية المستدامة من جهة أخرى، أصبحت الجامعة بحاجة إلى سلوك مسؤول اجتماعيا، وعليه ظهرت المسؤولية الاجتماعية كضرورة للاستجابة لهذه التغيرات والمتغيرات وأصبح مثلث الوظائف للجامعة مكون من وظيفة التعليم، وظيفة إنتاج المعرفة، بالإضافة إلى وظيفة المسؤولية الاجتماعية، فلم يبق دور مؤسسات التعليم العالي مقتصرًا على الرسالة العلمية المجردة، بل تعداه ليطال جوانب مختلفة من الحياة اليومية ويؤثر فيها، وإن كانت الرسالة العلمية المعرفية هي الهدف الحقيقي والرئيسي الذي أوجدت من أجله تلك الجامعات والكليات، فاليوم يقع على مؤسسات التعليم العالي مسؤولية اجتماعية أكثر من أي وقت مضى، طالما هي غير معزولة عن المجتمع.
تعتبر المسؤولية الاجتماعية للجامعات سياسة ذات إطار أخلاقي لأداء مجتمع الجامعة من (طلبة،طاقم تدريس، إداريين، وموظفين ) مسؤولياتهم تجاه الآثار التعليمية والمعرفية والبيئية التي تنتجها الجامعة، في حوار تفاعلي مع المجتمع لتعزيز تنمية إنسانية مستدامة .ولوظيفة المسؤولية الاجتماعية بالجامعة العديد من المهام نذكر البعض منها على النحو التالي :
ربط التعليم الجامعي بحاجات المجتمع التعليمية والثقافية والمهنية والتنموية ومده بأفضل الأساليب التكنولوجية الحديثة لاسيما في هذا الظرف الصحي الذي يشهده العالم.
تنويع البرامج والأنشطة والتخصصات التي تطرحها الجامعة بحيث تواكب روح العصر وتلبي احتياجات سوق العمل على حسب الجهة والمنطقة وجغرافية الولاية.
تشجيع برامج التعليم المستمر للكبار والتعليم المسائي للإفراد الذين لا تسمح ظروفهم الالتحاق بالبرامج النظامية الصباحية، وهذا الذي تعمل عليه جامعة التكوين المتواصل.
استضافة المسؤولين و صناع القرار داخل الجامعة بحيث يكون الطالب الجامعي أكثر وعيا وإدراكا لما يدور من حوله من أحداث وتطورات.
إنشاء لجان استشارية مشتركة من القائمين على ادارة الجامعة وقيادات المجتمع المدني ورجال الاعمال لتحديد حاجات المجتمع والتعرف على مشكلاته الاقتصادية والاجتماعية.
تبني تعليم الأفراد في المجتمع من ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال إنشاء مراكز متخصصة وخدمات للطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك لتأهيلهم و جعلهم فعالين في المجتمع.
استخدام التكنولوجيا الحديثة في تطوير المناهج التعليمية وتطوير أساليب التعلم وتبسيط إجراءات العمل.
من أجل إنشاء وظيفة للمسؤولية الاجتماعية بالجامعة الجزائرية نقدم المقترحات التالية :
إنشاء وحدة لمتابعة الخرجين على مستوى الجامعة : حيث يقوم هذا النظام بتقديم الخدمات والمتابعات للخريجين، من خلال تدريبهم لمساعدتهم في البحث عن فرص عمل لهم وربطهم مع المؤسسات المعنية بالتشغيل، مما يلبي في الوقت ذاته احتياجات سوق العمل في عملية تشاركية من الجميع، و تقوم هذه الوحدة بالعديد من المهام نذكر البعض نمها على النحو التالي :
ـــ عقد اتفاقيات مع المؤسسات الاقتصادية ومع مؤسسات المجتمع المختلفة.
ــــ القيام بأيام توظيف بمشاركة المؤسسات الاقتصادية: و هذا ما يسمح بتعريف الخريجين بسوق العمل واحتياجاته، وتعريف المؤسسات بمؤهلات الخريجين وقدراتهم ، وبناء الثقة بالنفس وتعزيز وسائل التواصل والتعبير عن الذات لدى الخريجين، ومساعدة الخريجين في الحصول على فرص عمل وتدريب بما يتناسب مع مؤهلاتهم وميولهم.
ــ التفاعل مع الطلبة الخريجين الذين تحصلوا على فرص عمل :لا يقتصر التواصل مع من يبحث عن فرصة عمل من الخريجين، بل يركز بنفس المستوى على التواصل مع الخريجين الذين يعملون أصلا مهما كان مكان عملهم أو مجاله، وذلك بهدف زيادة مساحة التفاعل مع الخريجين والتواصل مع مؤسسات المجتمع، وعملا على الوصول إلى قياس مباشر لاحتياجات الخريجين وسوق العمل.
المنح والبعثات العلمية التي تقدمها: يجب أن تحرص الجامعة على تشجيع طلبتها على التفوق والتميز العلمي وذلك من خلال تقديم منح دراسية كاملة للطلبة المتفوقين، إضافة لتقديمها لمنح دراسية كاملة لمجموعة من المؤسسات الاجتماعية والنوادي الثقافية والرياضية تحفيزًا لها للقيام بدورها في خدمة المجتمع.
مشروع مختبرات الحاسوب للمكفوفين
طباعة معظم الكتب التي يحتاجونها وتزويدهم بها كنسخة مطبوعة متوافرة في المكتبة من خلال توفير طابعة خاصة قادرة على مثل هذا الحجم من الطباعة . ومن ناحية أخرى فإن هذه المختبرات يجب أن تلبي احتياجات المجتمع المحلي لفئة المعوقين بصريًا، على أن تكون هذه الخدمة غير ربحية انطلاقا من مسؤولية الجامعة الاجتماعية لتمكين كافة المعوقين بصريًا من فتح باب البصيرة العلمية أمامهم، وكحق من حقوقهم في اكتساب كل المعارف في مجال الحاسوب والتعليم والاستفادة من الخدمات المقدمة والمتاحة .
انطلاقًا مما سبق نقترح بأن تكون هناك مبادرة وطنية شاملة للمسؤولية الاجتماعية تقودها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالشراكة مع المؤسسات التابعة لها، تشمل برامج وندوات تثقيفية إلى كافة شرائح المجتمع توضح لهم أهمية المسؤولية الاجتماعية والدور الذي تلعبه في تحقيق التعاون والتكافل الاجتماعي بين مؤسساتها وأفراد المجتمع، بحيث يصبح هذا المفهوم معيارًا يحكم الفرد من خلاله على أداء هذه المؤسسات التابعة لها والقيمة المضافة التي تعود على المجتمع.
كما نوصي الجامعات بتضمين المسئولية الاجتماعية ضمن المحاور الأساسية للخطة الإستراتيجية لها وتحديد مجالات الإسهام مع مراعاة الأبعاد الثلاثة الآتية: البعد الاجتماعي والبعد الاقتصادي والبعد البيئي.
ضرورة تشكيل فريق عمل مكلف بتحقيق المسئولية الاجتماعية على نطاق الجامعة وتعميم فكرتها على مختلف المؤسسات والجامعات التي تتعامل مع الجامعة. الى جانب تحديد إطار عام لمساهمة العاملين والطلاب في تحقيق المسئولية الاجتماعية وذلك من خلال تحديد أيام عمل تطوعية واحتسابها من ضمن ساعات العمل الرسمية أو تقديم مساهمات مالية بسيطة.
يمكننا في الأخير القول أن مخرجات الجامعة ذات الجودة العالية هي في الأصل مدخلات للمؤسسات الاقتصادية والتربوية والثقافية على حد سواء، بل وهي القائمة على كفاءة عملياتها التي في الأخير تصب في المنظومة الاقتصادية، فالجامعة الحقيقية هي من تصنع الفوارق وهي من تصنف من خلالها اقتصاديات الدول.
رابط دائم: https://mosta.cc/bebsr