خطت الجزائر خطوات كبيرة خلال السنوات الأخيرة بهدف تفعيل الشراكة بين الجامعة والقطاع الصناعي، نظرا لما تلعبه الجامعة من دور مهم في إنعاش القطاع الصناعي، كون الشراكة بينهما تعد سبيلا لتحقيق التقدم ونقل التكنولوجيا، و انعكاسات ايجابية أخرى، و عليه فان تقريب الجامعة من محيطها الاقتصادي والاجتماعي عبر شراكات مفيدة واتفاقيات بينية مع القطاعات المعنية، أصبحت اليوم أكثر من ضرورة .
في كلمة له بمناسبة توقيع اتفاقيات مع عدد من الفروع الصناعية من أجل استحداث أقطاب تكنولوجية, أكد وزير التعليم العالي و البحث العلمي على أهمية تجسيد رؤية القطاع الهادفة الى التقريب بين الجامعة ومحيطها الاقتصادي والاجتماعي والانتقال الى طور عملي جديد غايته مأسسة العلاقة بين الجامعة والمؤسسة.
وعليه راح ذات المسؤول يجدد عزم الوزارة على تفعيل التعاون مع مختلف القطاعات المستعملة سيما الانتقال الى وضع خطة عملياتية ملموسة تضمن ديمومة العلاقة بين التكوين والبحث وعالم الاقتصاد والصناعة مضيفا أنه سيتم الاعتماد للغرض وكمرحلة أولية على تجارب نموذجية في مجال الشراكة والتعاون سيتم اخضاعها للتقييم المرحلي وفق مؤشرات أداء قابلة للقياس، وفي ذات الصدد, اعتبر الوزير أن احداث الاقطاب التكنولوجية بات ضروريا بالنظر الى أن تجميع عدة فاعلين في فضاء واحد من شأنه أن يحدث تناغما وانسجاما حقيقيين بين مراكز البحث العلمي والمؤسسات الاقتصادية مضيفا أن هذه المبادرة ستشجع حركة الافكار وتبادل الكفاءات من جهة والسماح للفاعلين المحليين من النفاذ للتكنولوجيات الجديدة من جهة أخرى.
كما ستمكن الشراكة بين الجامعة والقطاع الصناعي من الحفاظ على مناصب الشغل وخلق مناصب جديدة اضافة الى رفع رقم أعمال المؤسسات و توفير المناخ الملائم لبروز مؤسسات جديدة ترتكز على الابتكار.
وأضاف الوزير بأن هذه الاقطاب التكنولوجية ستشكل أيضا فضاءات ملائمة لطلبة الدكتوراه والباحثين من أجل اجراء التربصات الميدانية وانجاز أطروحات الدكتوراه في المؤسسات الاقتصادية بما يمكن من ارساء ديناميكية للتكفل بالانشغالات التقنية التي تواجهها المؤسسات.
التأكيد على تعزيز الشراكة بين الجامعة والمتعاملين الاقتصاديين
دعا مشاركون في معرض الابتكار المقام الشهر الماضي بساحة جامعة فرحات عباس سطيف-1 في إطار تظاهرة الأسبوع العلمي على أهمية تعزيز الشراكة بين الجامعة والشريك الاقتصادي لتشجيع المشاريع وتجسيدها والتركيز على المشاريع الأكثر ارتباطا باحتياجات السوق.
وأكد العديد من العارضين في تظاهرة الأسبوع العلمي التي ضمت إنجازات وأعمال ابتكارية لطلبة من عدة جامعات من الوطن في مواضيع متعلقة بالأمن الطاقوي والأمن الغذائي وكذا صحة المواطن على أهمية الاحتكاك مع الشريك الاقتصادي والاجتماعي من أجل تجسيد ابتكاراتهم وبالتالي إشراكهم في تحقيق تنمية مستدامة، وأوضح في هذا السياق الأستاذ محمد دبال من جامعة بلحاج بوشعيب لعين تيموشنت الذي عرض في إطار هذه التظاهرة العلمية جهازا يعمل عن طريق الألياف البصرية للكشف عن التغيرات الحرارية في المناطق الحساسة على غرار البراكين بأن الجامعة الجزائرية تتوفر على مؤهلات وكفاءات بشرية ما يمكن من تحقيق إقلاع اقتصادي في جميع المجالات، معتبرا المعرض مناسبة هامة لتعزيز بشكل أكبر الاحتكاك بين المبتكرين والباحثين وكذا طلبة الدكتوراه بمختلف المؤسسات الجامعية وتبادل الخبرات فيما بينهم فضلا عن التعريف بمشاريعهم الابتكارية وإبرازها للشريك الاقتصادي والاجتماعي، وأبرز من جهته، أحمد كرواني مهندس دولة في التهيئة الإقليمية بالمدرسة الوطنية المتعددة التقنيات لوهران بأن الجامعة الجزائرية توفر من التأطير والتدريب الجيد بما يستجيب للاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والوطني، و قال كرواني الحائز على براءة اختراع (2022) بأنه قد تمكن من ابتكار وحدة ذكية لإنتاج السماد الممزوج التي تمزج الأسمدة اعتمادا على أجهزة متطورة في تحليل التربة بما يضمن المساهمة في تحقيق أمن طاقوي وغذائي وكذا صحي، مشيرا إلى ضرورة تشجيع الباحثين، أما أحمد بومحرز من جامعة محمد خيضر ببسكرة الذي عرض بالمناسبة ثلاثة (3) مشاريع ابتكارية لجامعة بسكرة من بينها كرسي متحرك ذكي متعدد أنماط التحكم لفائدة فئة ذوي الاحتياجات الخاصة فذكر بأن تجسيد مثل هذه المشاريع الابتكارية التي تستجيب لمتطلبات التنمية وحركيتها يتطلب إمكانات غالبا ما تكون كبيرة لاسيما ما تعلق باستيراد مكوناتها الدقيقة، لافتا إلى دور المستثمرين ورجال الأعمال في تبنيها وتجسيدها وبالتالي التقليص من استيرادها.
كما دعا في نفس السياق إلى توسيع قنوات الحوار وبناء رابطة بين الباحثين الجامعيين والشريك الاقتصادي وفتح فرص شراكة فيما بينهم لتنسيق الجهود وتوجيهها على نحو واحد بما يضمن تجسيد شراكة إيجابية بين المؤسسة الجامعية والمؤسسات الاقتصادية.
ولدى تطرقه إلى عوامل تحقيق الأمن الغذائي، كشف من جهته، الأستاذ والباحث نور الدين سليماني من جامعة حمة لخضر بولاية الوادي بأن هناك العديد من الأبحاث التي تتم على مستوى المؤسسات الجزائرية تحتاج إلى مرافقة من طرف المؤسسات الصناعية، واستنادا للأستاذ سليماني، فإن العديد من التجارب الجديدة الناجحة تتم محليا لاسيما ما تعلق ببعض المحاصيل الاستراتيجية و التمور والسكر وغيرها إلا أنها تبقى بحاجة إلى إرادة قوية لتجسيدها ترتكز على إيجاد مؤسسات تحويلية في المجال الزراعي لتحقيق أمن غذائي وطني.
للجامعة الدور الكبير في تحقيق أهداف التنمية
أكد الدكتور جيلالي تساليت المدير العام للتطوير التكنولوجي و الابتكار لدى المديرية العامة للبحث العلمي و التطوير التكنولوجي بوزارة التعليم العالي على الدور المهم الذي تلعبه الجامعة في تحقيق التنمية و النهوض بالاقتصاد الوطني مشيرا إلى التطور الكبير الحاصل في براءات الاختراع الذي تعدى عددها 400 براءة اختراع على مستوى الجامعات الوطنية داعيا الى ضرورة تجسيدها من قبل الفاعلين الاقتصادين، خاصة و أنها في تزايد مستمر يتم استقبالها حتى من خارج الجامعات يذكر -جيلالي تساليت – الذي دعا أرباب العمل التقرب من أجل بناء شراكة مع أصحاب الأبحاث العلمية، خاصة و أن الدولة الجزائرية –يذكر- قد وفرت العديد من المرافق الكبيرة و الأجهزة الخاصة بمختلف مشاريع البحث، و هي مجهودات تصب حسبه في خدمة الطالب و تعمل على النهوض بالبحث العلمي ما جعل مراكز البحث بكفاءاتها الكثيرة تتمتع اليوم بسمعة عالمية، كما أن المؤسسة الاقتصادية أدركت ان البحث العلمي يعد ركيزة أساسية لرفع الإنتاجية و تطويرها، و هو ما يدفع لتكثيف التعامل مع المتعاملين الاقتصاديين للذهاب بالأبحاث العلمية لأبعد حد بالتعاون مع هذه المؤسسات و تجسيد ما تم التوصل اليه من أبحاث مثمنا حجم التقارب و العروض المتوصل اليها بما يمكن من إيجاد حلول تناسب الاقتصادي الوطني و المحيط الاجتماعي .
3 نصوص تنظيمية لتفعيل شراكة حقيقية بين الجامعة والمؤسسات الإقتصادية
ذكرت المديرة الفرعية للتطوير التكنولوجي والشراكة بالمديرية العامة للبحث العلمي والتطوير التكنولوجي، صورية مقداد، أن هناك العديد من الآليات لتحقيق اقتصاد أساسه الابتكار والمؤسسات الناشئة، والذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالجامعة الجزائرية التي تعدّ خزانا للأفكار والمشاريع الابتكارية.
كما عادت مقداد في حوار خصّت به الإذاعة الجزائرية، إلى تصريحات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون التي أكد فيها بأن مستقبل الجزائر مربوط بالشركات الناشئة الجزائرية.
وأبرزت أنه لضمان اقتصاد أساسه الابتكار وتفعيل شراكة حقيقية بين الجامعة والمؤسسات الاقتصادية تم إعداد ثلاثة نصوص تنظيمية، تخص كل من تحضير أطروحات الدكتوراه على مستوى المؤسسة الاقتصادية وإنشاء كيانات البحث داخل الشركات الاقتصادية والنص الأخير، الذي يحدد التمويل المباشر وغير المباشر لتشجيع الشركات الاقتصادية على الاستثمار في المشاريع البحثية والابتكارية على مستوى الجامعات.
كما أوضحت المتحدثة أن التمويل المباشر ينظمه مرسوم تنفيذي يحدد الشروط والأحكام، التي بموجبها يمكن للمتعاملين الاقتصاديين الذين يقومون بنشاط بحث وتطوير، الاستفادة من الاعتمادات عبر ميزانية البحث.
في حين، أضافت أن هذا التمويل المشترك بين الدولة والمؤسسة الاقتصادية محدد على النحو التالي 60 بالمائة بالنسبة للمؤسسات الصغيرة. و40 بالمائة للمؤسسات المتوسطة و30 بالمائة للشركات الكبيرة.
وبخصوص التمويل غير المباشر الذي يتعلق بتعديل المادة 171 من قانون الضرائب فيتمثل أساسا من استفادة الشركات، التي تخصص ميزانية للبحث من إعفاءات ضريبية تصل إلى 300 ألف دينار جزائري، بشرط أن تكون هذه النسبة التي تقدر بـ200 ألف دينار جزائري مخصصة في إطار البحث فقط.
وزارة التعليم العالي تنشئ 42 حاضنة وطنيا
قامت وزارة التعليم العالي -تضيف مقداد -بإنشاء حاضنات أعمال الذي قدر عددها بـ42 حاضنة على مستوى التراب الوطني، تسمح للطلبة والباحثين باحتضان أفكارهم المبتكرة ومرافقتهم إلى غاية إنشاء مؤسستهم.
كما أشارت مقداد إلى النجاح الذي حققته المؤسسة الناشئة “أكوايات” المختصة في إنتاج السبيرولين (نوع من الطحالب البحرية). وهو مشروع مشترك لطالبتين ببشار.
وأبرزت مقداد دور منصة “ابتكار” التي تعتبر أرضية رقمية تفاعلية بين المجتمع العلمي ومراكز البحث. إذ تسمح للطالب بالاستفادة من الخدمات التي تقدمها مراكز البحث وذلك في إطار تجسيد مشروع نهاية الدراسة ، كما أوضحت أن هذه المنصة لم تتوقف عند هذا الحد فقط بل توجهت إلى تقديم خدمتها وعرضها إلى الشركات الاقتصادية، من خلال منصة اقتصادية، تسمح للمؤسسات الاقتصادية بمتابعة العينات التي تريد الاستثمار فيها وهذا ما يحقق الربح للمؤسسات الاقتصادية وكذلك بالنسبة لمراكز البحث التي سيتسنى لها تحقيق أرباحا معتبرة.
رابط دائم: https://mosta.cc/3m4am