بقلم: مليكة ب.
بعد 60 سنة من استرجاع السيادة الوطنية تعكف الجزائر، على تجسيد خارطة طريق ترتكز على عدة نقاط أساسية واضحة المعالم، من بينها الإصلاح الاقتصادي، حيث تسعى عبر حزمة الإجراءات المتخذة من قبل السلطات الى الدفع بعجلة الاقتصاد الوطني في ظل الجزائر الجديدة، تجسيدا لبرنامج رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي أكد على ضرورة تحريك وتيرة التنمية محليا ووطنيا، من أجل تحقيق مداخيل هامة للبلاد، في كل المجالات، وتتضمن سياسة الحكومة، مراجعة الواقع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، بالنظر للظروف التي يعشيها المواطن في ظل استمرار ارتفاع الأسعار في السوق العالمية، والعمل على إصلاح القطاع العمومي تماشيا مع التحولات الكبرى التي يعيشها الاقتصاد الوطني، مع التشديد على ضرورة مواصلة الإصلاحات الإدارية، ورقمنة المعاملات والعمل على مكافحة التجارة الموازية لمختلف المواد مع الحفاظ على القدرة الشرائية والاهتمام بالطبقة الهشة في المجتمع، ولتنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي، عمدت الجزائر إلى اتخاذ قرارات مصيرية لبناء اقتصاد جديد..
أنظمة و منتجات مالية جديدة لمكافحة الاقتصاد الموازي
يدعو خبراء و مهتمين بالشأن الاقتصادي إلى ضرورة التفكير مع كافة الفاعلين المعنيين, في الابتكار والذهاب نحو أنظمة و منتجات مالية جديدة, لأجل مكافحة الاقتصاد الموازي الذي يغطي ” ثروة مالية كبيرة”، كما يدعوا هؤلاء الى ضرورة استرجاع وإرساء الثقة بين النظام البنكي و التجار في كافة قطاعات الأنشطة وتقليص الهوة التي تفصل بين التجار و الادارة الجبائية.
من جانبه, أبرز المدير العام للبنك الوطني الجزائري, محمد ليمن لبو أن ” الادماج المالي الذي هو رافد في خدمة نمو اقتصادي شامل بالجزائر و الانتقال من اقتصاد موازي الى اقتصاد رسمي, لا يقع بالضرورة ضمن مسؤولية البنوك”, مضيفا بأن هناك ” أزمة ثقة” بين النظام البنكي و التجار.
و في نظر المدير العام للبنك الوطني الجزائري فان تدارك هذا الوضع, يتطلب تعزيز و تحسين المنشآت المالية, و ضمان الحماية المالية للتجار و كذا تحسيسهم.
إدماج النشاط الاقتصادي الموازي كأحسن خيار
و في ملتقى وطني سابق حول الاقتصاد غير الرسمي بالجزائر، دعا المشاركون فيه إلى الاهتمام بمعالجة هذه الظاهرة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة عوض اللجوء إلى محاربتها، وأوضحوا أن أحسن طريقة للوصول إلى ذلك، هو العمل على إدماج النشاط الاقتصادي الموازي ضمن النشاط الرسمي من خلال إعادة النظر في النصوص التشريعية، معتبرين الاقتصاد الموازي ثروة مهملة وربحا ضائعا للخزينة العمومية بما يقدّر بحوالي 50 مليون دولار سنويا، و في محاولاتهم لتشريح عميق للوضع ذهب اساتذة وباحثين من عدة جامعات خلال الملتقى ذاته يحاولون وتحليل الظاهرة عملا على معالجتها، في هذا السياق، اعتبر الأستاذ الهادي خالدي، أنّ «التسميات والمصطلحات قد اختلفت ما بين الحديث عن اقتصاد غير رسمي، أو غير شرعي أو موازي، لكنها تتفق في المعنى حيث أن كل الأنشطة والأعمال غير المصرح بها لدى منظومة التأمينات الاجتماعية تعتبر أنشطة غير رسمية»، كما أن وضعية الاقتصاد الموازي تدخل ضمن عدة مجالات سواء تعلقت بالإنتاج أو صيرورة العمل المأجور أو في التسويق، متحدثا في هذا الصدد عن عدة أسباب تتقاطع لتجعل من هذه المجالات غير رسمية، موضحا أنّ هذا الأمر يحتاج إلى دراسة أسبابه للخروج بنتائج تكون عبارة عن حلول تحمي الاقتصاد الوطني، متحدّثا كذلك عن العمل الذي بموجبه يتقاضى العامل أجرا لا يتماشى مع الواقع المعيشي في ظل ارتفاع الأسعار، ما جعل المتحدث يشير إلى أهمية إدماج هذا السوق غير الرسمي ضمن الفضاء الرسمي عوض الحديث عن محاربته كظاهرة مضرة بالاقتصاد الوطني، يقول «يجب البحث في الدوافع التي جعلت العامل يفضّل العمل بطريقة غير شرعية مع إعادة النظر في منظومة الأجور كأحد الحلول لمعالجة هذه المسألة»،
من جهته، اعتبر الأستاذ عبد الله بلونيس من جامعة بومرداس أنّ الأنشطة الموازية هي كلّ الأنشطة غير المصرح بها وغير المسجّلة في الحسابات الوطنية، أي لدى أجهزة الإحصاء وأجهزة المحاسبة، متحدثا في هذا المجال عن الاقتصاد الخفي الذي استفحل بقوّة حتى صار حجمه يوازي الاقتصاد الرسمي، مرجعا ذلك إلى جملة من الأسباب لخّصها في تقلّبات أسعار النفط المتحكّم في المداخيل، إضافة إلى الرشوة والفساد الإداري وصعوبة الحصول على رخص لممارسة النشاط الرسمي، إضافة إلى انخفاض المداخيل مقارنة بارتفاع مستوى المعيشة ما يعبد الطريق – حسبه – نحو اقتصاد الأسواق الموازية، معتبرا بعض الانشطة ظواهر جديرة بالدراسة والاهتمام للبحث في أسبابها في محاولة لإدماجها ضمن النشاط الرسمي، مفضّلا عدم اللجوء لاستعمال مصطلح الردع أو القضاء الجذري على هذه الظواهر وإنّما تفضيل مصطلح الإدماج بما يفضي مزيدا من الثقة بين الطرفين، ومنه جلب الاموال لخزينة الدولة و هي حسبه ثورة مهملة أو الربح الضائع، كما أعطى في هذا الصدد بعض الحلول التي رآها عملية ومنه إعادة النظر في منظومة الفوائد المطبقة بالبنوك و هو ما اعتبره ضروريا ، مع توسيع اعتماد الصيرفة الإسلامية لجلب تلك الأموال النائمة.
ودعا المتحدث أيضا لتبني الليونة من أجل خلق الثقة مع متعاملي الاقتصاد الموازي لجلبهم نحو النشاط الرسمي إضافة إلى أهمية تطبيق نظام اللامركزية في الإدارات وضبط مصالح الضرائب واعتماد الشفافية في التعاملات «لأنّ الشعور بالحقرة من الأسباب الرئيسية للجوء إلى الاقتصاد الموازي»،
وحسب رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، الحاج الطاهر بولنوار ، فإنّ تخفيف الضريبة يساعد المتعاملين، ويشجعهم على تحويل النشاط الموازي نحو القطاع الرسمي، واسترجاع الأرصدة الموجودة في السوق الموازية وإدماجها ضمن القنوات الرسمية، وتجنب الخسائر الجبائية المترتبة عن هذه الأنشطة، علما ان فرض ضرائب مرتفعة تتسبب في التهرب من اداء الضرائب.
مشيرا إلى تدابير أخرى، يجب أخذها بعين الاعتبار، على غرار ما يطبق في دول أجنبية، حيث يتم تخفيف الضرائب كلما ارتفع عدد العمال الموظفين لدى مؤسسة اقتصادية، وهو أمر يشجع التوظيف والقضاء على البطالة خاصة في القطاع الخاص، فالشركات والمؤسسات الاقتصادية ستبحث هي عن التوظيف،
والى جانب ذلك، يرى رئيس جمعية التجار والحرفيين، أنه يجب اعتماد قضية مهمة جدا تتمثل في تشجيع التجار والمتعاملين الاقتصاديين على دفع الضرائب، بل وتحفيزهم من خلال إدراج مكافآت للملتزمين الذين يدفعون ضرائبهم بصفة دورية ومنتظمة، ولا يتهربون من الأمر، وهذا عن طريق دفع مبالغ مالية كهدية الوفاء والالتزام، او استفادتهم من إعفاء ضريبي لمدة معينة، وهذا لتشجيعهم وتحفيزهم.
امتصاص أموال السوق الموازية يستدعي تطوير الثقافة البنكية و المالية
دعا في وقت سابق رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، إلى ضرورة تطوير الثقافة البنكية و المالية بالجزائر من أجل امتصاص الأموال المتداولة في السوق الموازية و دفع عجلة الاستثمار.
قائلا أنه يتعين استرجاع الأموال المتداولة في السوق غير الرسمية باللجوء إلى “طرق ذكية” معتبرا أن الأمر “مرتبط بثقافة النظام البنكي و المالي في البلاد” داعيا الى تغيير بعض السلوكات المحبطة لفعل الإنتاج أو الاستثمار”.
و لفت إلى وجوب التفريق بين مفهومي الاقتصاد غير الشرعي و الاقتصاد الموازي، حيث يعتمد الأول على الغش في المعاملات والتهرب الضريبي ويخص الثاني عدم إدراج الأموال في السوق الرسمية و النشاطات التجارية العائلية و المنزلية او غير المصرح بها، و قال في هذا الإطار لوضع نموذج وطني لتقييم الاقتصاد الموازي و اعتماد الذكاء الاقتصادي من خلال تطوير سلوك البحث عن المعلومة وأنماط البحث و تطوير مراكز بحث لدى الشركات الكبرى.
هذا وقد سبق و كشف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، عن حجم الأموال المتداولة في السوق الموازية بالجزائر و التي تقدر بـ 10 آلاف مليار دج أو ما يعادل 90 مليار دولار، و قد دعا وقتها المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي للمساهمة في إيجاد حلول لـ “هذه المعضلة”.
وخلال كلمة ألقاها بمناسبة تنصيب أعضاء المجلس بقصر الأمم بالعاصمة، قال تبون إن “الأرقام تشير الى وجود ما يقارب 10 الاف مليار دج ككتلة مالية متداولة في السوق الموازية أي ما يعادل 90 مليار دولار” و على هذا الأساس، تابع رئيس الجمهورية، فان الجزائر لن تذهب إلى الاستدانة الخارجية و إذا لزمها الأمر ستذهب إلى الاستدانة الداخلية لأن هناك أموالا طائلة مخبأة و حان الوقت لتخرج لتمويل الاقتصاد و توفير السيولة.
رابط دائم: https://mosta.cc/v1kg3