تعتبر الصناعات الغذائية في الجزائر من أبرز القطاعات الاستراتيجية التي تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الاقتصاد الوطني. وهذا يتضح بشكل خاص في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة التي يواجهها البلد نتيجة لتقلبات أسعار النفط وتذبذب أسواق المحروقات. وفي إطار سعي الحكومة الجزائرية لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على العائدات النفطية، فقد تم تبني مجموعة من الاستراتيجيات الاقتصادية التي تركز على تقوية القطاعات غير النفطية، حيث تعد الصناعات الغذائية من الركائز الأساسية لهذه الخطط الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة.
شهد هذا القطاع تطورًا لافتًا في السنوات الأخيرة، ما ساعد على نموه بشكل ملحوظ. هذا النمو لا يقتصر على تعزيز الإنتاج المحلي فقط، بل يتضمن أيضًا زيادة القدرة التنافسية للمنتج الجزائري في الأسواق العالمية، ما يفتح المجال أمام فرص كبيرة للتصدير والتجارة الدولية. من خلال هذه التحولات، حققت الجزائر أهدافًا اقتصادية مهمة مثل تعزيز الأمن الغذائي، الذي يعد من الأولويات الاستراتيجية للحفاظ على استقرار السوق المحلي وضمان استمرارية توفير السلع الأساسية. كما ساهم هذا النمو في تحسين الميزان التجاري، حيث أصبحت الجزائر قادرة على تصدير مزيد من المنتجات الغذائية، مما يساهم في خفض العجز التجاري.
إضافة إلى ذلك، ساعدت هذه التحسينات في خلق فرص عمل جديدة للشباب، ما ساهم في تقليص معدلات البطالة وتعزيز التنمية الاقتصادية في المناطق المحلية. كل هذه الإنجازات تمثل تكاملًا بين مجموعة من العوامل الهيكلية مثل توفر المواد الأولية المحلية والسياسات الحكومية المدعمة لهذا القطاع، ما يساهم في دعم الصناعات الغذائية وتطويرها على المستويين المحلي والدولي.
في هذا المقال، سنتناول العوامل المحفزة التي ساعدت على نمو وتطور قطاع الصناعات الغذائية في الجزائر ودوره الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني، مع تسليط الضوء على آراء الخبراء الاقتصاديين في هذا المجال.
الصناعات الغذائية: ركيزة استراتيجية لتنويع الاقتصاد وتحقيق السيادة الغذائية
صرح الخبير الاقتصادي صرارمة عبد الوحيد في تصريحات صحفية لجريدة المستثمر أن الصناعات الغذائية تعد من الركائز الاستراتيجية التي تعتمد عليها الجزائر في مسار تنويع الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بتقلبات أسعار النفط وأسواق المحروقات. وأوضح أن نجاح هذا القطاع سواء على المستوى المحلي أو الدولي يفتح آفاقًا جديدة لنمو قطاعات اقتصادية أخرى ويُسهم في خلق الثروة وفرص العمل، كما يعزز استقلالية الاقتصاد الوطني ويقلل من التبعية للخارج.
وأشار صرارمة إلى أن توفر المواد الأولية المحلية يعد من أبرز العوامل المحفزة لنجاح الصناعات الغذائية، حيث تستند هذه الصناعات على قاعدة فلاحية واسعة تضم منتجات استراتيجية مثل الحبوب، الطماطم، زيت الزيتون، التمور، والحمضيات، مما يضمن استقرار التزود بالمواد الخام بأسعار مناسبة ويُسهم في تقليص فاتورة الاستيراد. وأضاف أن الجزائر حققت اكتفاءً ذاتيًا جزئيًا في العديد من المنتجات، مثل الخضر والفواكه والبقوليات، ما يعزز التكامل بين القطاع الفلاحي والصناعي.
كما أكد على دور السياسات الحكومية في دعم هذا القطاع، حيث وفرت الدولة برامج تمويل ومرافقة تقنية وتكوين مهني ساعدت على تحسين أداء الوحدات الإنتاجية وزيادة الإنتاج. وأشار إلى تقدم الجزائر في تطبيق معايير الجودة العالمية، ما رفع تنافسية المنتج الجزائري في الأسواق الدولية.
جودة المنتجات وتكامل السلاسل الإنتاجية: السبيل لاختراق الأسواق الخارجية وتعزيز الصادرات
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي نبيل جمعة أن عدة عوامل ساهمت في بروز الصناعات الغذائية الجزائرية، من أبرزها وفرة المواد الأولية المحلية مثل الحبوب، الحليب، والتمور، بالإضافة إلى سياسات الدعم الحكومي التي تهدف إلى تشجيع الإنتاج الوطني. وأوضح أن بعض المؤسسات تبنت معايير الجودة العالمية “إيزو”، ما أهل المنتجات الجزائرية لاختراق الأسواق الخارجية، حيث يشهد الطلب تزايدًا ملحوظًا على التمور والكسكس الجزائري في أوروبا وإفريقيا.
وأشار جمعة إلى أن الاستثمار في التعبئة والتغليف ساعد في تحسين جاذبية المنتجات الجزائرية في الأسواق المحلية والعالمية. كما شدد على ضرورة التركيز على الفلاحة الصناعية والربط الفعلي بين الإنتاج الفلاحي والتصنيع الغذائي، ما يتيح خلق فرص عمل دائمة، خاصة في المناطق الريفية. ولفت إلى أن هذه التحسينات تعزز قدرة الجزائر على التفاوض التجاري ضمن الاتفاقيات الإقليمية، وتساهم في الحد من العجز التجاري.
تحفيز المنتج المحلي وتوجيه السياسات الاقتصادية نحو الاستدامة الزراعية والصناعية
أكد الخبير الاقتصادي عبد الغني بن علي أن الجزائر سعت منذ فترة طويلة إلى تقوية الإنتاج المحلي وتطويره، خاصة منذ عام 2000، حيث بدأ التحدي في ظهور منافسة قوية من الاستيراد مما أثر سلبًا على المنتج المحلي. لكن مع وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم، تم تفعيل سياسات داعمة للمنتج المحلي والفلاحين، مما أسهم في إحداث تحولات إيجابية.
وأشار إلى أن الجزائر حققت اكتفاءً ذاتيًا جزئيًا أو كليًا في العديد من المنتجات الفلاحية مثل الطماطم الصناعية، البطاطا، الخضروات، والزيتون، ما يعكس قدرة القطاع الزراعي على التوسع والتطور. كما أضاف أن السياسات الجديدة التي تشمل تقديم تسهيلات بنكية ودعم لوجيستيكي أسهمت في دعم الإنتاج المحلي وتعزيز الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
رابط دائم: https://mosta.cc/6easn