بقلم عيسى منصور
مستشار في التنمية الفلاحية
مع ظهور ازمة كورونا و التي مست كل دول العالم، تطرح بحدة تساؤلات حول السياسات الزراعة الواجب اتباعها في المستقبل لأجل مجابهة اي طارئ من شأنه ان يُحدِث اختلال في تموين الاسواق بالمنتوجات الغذائية، في كل الحالات و مهما كانت الازمات فالإنسان لا يستطيع ان يستغني عن الغداء و عليه وجب التفكير مليا في توفيره لضمان استمرار البشرية !!
في حال عدم القضاء على وباء كورونا و استمراره لوقت اطول ” لا قدر الله ” سيكون هناك اضطراب حاد في المبادلات التجارية الدولية خصوصا في المنتوجات الغذائية.ان الدول المنتجة لهذه المواد و التي عادة ما تمون السوق الدولية ستكون مضطرة للحد او حتى الكف عن تصديرها و ذلك لأجل سد حاجياتها الداخلية لان في ضل دوام الازمة الصحية سيتزايد الطلب عليها من طرف مواطنيها و هذا ما يخلق ندرة حادة في الاسواق الدولية، و ان وجدت ستكون بأسعار مضاعفة !
للتذكير فان التدابير الأولى التي اتخذتها السلطات العمومية في بلادنا مع بداية ظهور وباء كورونا هو منع تصدير اي نوع من المنتوجات الغذائية الى غاية اختفاء الازمة وذلك تحسبا لأي طارئ، كما عمدت روسيا أيضا في ذلك الوقت الى توقيف تصدير الحبوب مؤقتا وذلك لإعطاء الاولوية لتموين اسواقها الداخلية
ان الدول التي تعتمد كليا على الاستيراد في غذائها ستعرف مشاكل كبيرة لأجل تموين اسواقها و هناك العديد من الدول التي لا تنتج حتى 10% من احتياجاتها الغذائية و لكن الاكثر تضررا ستكون الدول الاشد فقرا و التي تعتمد اساسا في غذائها على المساعدات الانسانية
شيء اخر يجب الانتباه اليه هو ان الدول التي تعتمد في اقتصادها الا على البترول و لا تنتج غذاء ساكنتها، تكون في خطر دائم للوقوع في ازمة غذاء في ازمات اخرى صحية كانت ام اقتصادية من شأنها ان تنعكس سلبا على اسعار البترول، في هذه الحالة حتى و ان كانت المنتوجات الغذائية متوفرة بكثرة في الاسواق الدولية فان هذه الدول ستجد صعوبات كبيرة لاقتنائها بسبب تراجع مداخيل تصدير النفط و قد تضطر للاستدانة لأجل تموين اسواقها و سد حاجيات شعوبها من المواد الغذائية
بلادنا ليس في منأى من هذه التداعيات السلبية خاصة و انها تعتمد بشكل كبير على الواردات لأجل تلبية حاجيات سكانها من المواد الاستراتيجية كما تعتمد أيضا في اقتصادها على النفط و بما ان الفلاحة هي التي تضمن توفير الغذاء فمن الضروري اذا ان نضعها في اولوية الاولويات و نعطيها كل الامكانيات و الدعم لأجل تطويرها حتى تتمكن من توفير الغذاء الكافي
يجب الاعتراف ان السلطات العمومية لم تبخل بالأموال في العشرين سنة الاخيرة و لكن النتائج لم تكن مرضية لان الظروف السائدة في تلك الفترة و نمط التسيير لا يمكن ان يعطي نتائج احسن و لذا يجب طي صفحة الماضي و الاهتمام بالمستقبل و اعطاء الفلاحة نفس جديد ودعمها بكل الامكانيات الضرورية و الاهتمام أكثر بإطارات و موظفي القطاع و تحسين ظروف العمل و انتهاج سياسة التكوين و الارشهد و عصرنة طرق التسيير و القضاء على العراقيل البيروقراطية و ادماج المؤسسات التقنية و معاهد البحث و كل الفاعلين في بلورة استراتيجية بعيدة المدى للنهوض الفعلي بالقطاع و عليه فمن الضروري ان تأخذ السياسات الفلاحية المستقبلية هكذا ازمات بمحمل الجد و ان تكون في مستوى التحدي لتحقيق الاستقلال الغذائي و ضمان مخزون استراتيجي لمجابهة اي طارئ و هذا لا يمكن تحقيقه الا بمراجعة جميع مراحل الانتاج الفلاحي و ما بعدها ( en aval) من بينها تطوير الصناعات الغذائية، رفع قدرات غرف التبريد بالنسبة لحفظ الخضروات و اللحوم و مضاعفة هياكل تخزين الحبوب . إن تطوير الفلاحة لا يمكن تحقيقه أنيا وعلى المدى القصير و لكن وجب علينا ان نبدأ من الآن وأن لا نتخاذل ولا نتراجع بعد انتعاش أسعار البترول و نعود ثانية إلى سياسة الريع والاعتماد على الحاويات لأجل توفير الغذاء
رابط دائم: https://mosta.cc/1nctm