يعتبر الاستثمار اليوم هو العصب الأساسي لتحقيق النمو الاقتصادي وتفعيل التنمية الشاملة، خاصة في ظل التطور التكنولوجي والفرص والامكانية المتاحة في عصر العولمة والتحول الرقمي.
فالجزائر اليوم بفضل توجهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تسعى الى تطوير منظومتها الاقتصادية والاستثمارية من خلال وضع استراتيجية ناجعة لتحسين مناخ الاستثمار وجلب المستثمرين وتحقيق قفزة نوعية في الاقتصاد الوطني بما يسمح بتحقيق تنمية شاملة للبلاد.
هذه الاستراتيجية مبنية على جملة من الركائز القانونية والادارية تجعل من الجزائر بيئة ممتازة لجلب مختلف أنواع الاستثمارات خاصة الاستثمارات المباشرة.
وبفضل السياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قامت الدولة بسن القوانين التشريعية وابرام الاتفاقيات الدولية وتسهيل المعاملات والاجراءات الإدارية من اجل النهوض بالمنظومة الاستثمارية بالجزائر وتحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة.
إصلاحات الرئيس عبد المجيد تبون وأثرها على المشهد الاقتصادي
لقد شهدت المنظومة الاقتصادية في عهد الرئيس عبد المجيد تبون قفزة نوعية عما كانت عنه من قبل، فقد عمل منذ توليه حكم البلاد على رفع التحدي ونهوض بالمنظومة الاقتصادية، من خلال تعهداته 54 والتي ركز كثيرا فيها على الشق الاقتصادي وأراد لعهدته الأولى أن تكون عهدة الانتعاش الاقتصادي، واضعا خطة طريق انطلاقاً من “إتاحة الفرص للجميع” و”تعزيز سمو القانون وتكافؤ الفرص، والتشاركية في رسم السياسات، وتحقيق الاستدامة الـمالية وتقوية الـمؤسسات، ورفع مستوى وكفاءة التعليم”.
وشهدت الجزائر في السنوات الأخيرة طفرة اقتصادية تحققت بفضل انتهاجه نموذج اقتصادي مبني على اقتصاد المعرفة والشركات الناشئة وهو النموذج المعمول به في معظم الدول المتقدمة. فتبعا للإحصائيات الاقتصادية تم تفعيل مليون مؤسسة مصغّرة، بغرض تطوير النسيج الاقتصادي وجلب القيمة المضافة، مع تطوير المؤسسات المصغّرة الناشطة خاصة في القطاع الزراعي، وبعث مؤسسات ناشئة لتطوير وترقية الحلول المدمجة وتحسين الأنشطة والتمويل، وما يتصلّ بالذكاء الصناعي، وتشجيع حاملي المشروعات الابتكارية لبناء أرضية خصبة للمقاولاتية ونقل المعرفة ورفع جودة ونوعية المنتوج المحلي وتعزيز قدرته التنافسية.
كما اهتم رئيس الجمهورية، بالعمل على تحسين مناخ الأعمال والاستثمار، من خلال تبسيط إجراءات إنشاء المؤسسات، وتوفير العقار الصناعي والاستفادة من القروض والخدمات العمومية ذات الجودة، وإصلاح وعصرنة النظام البنكي والإدارة والعمل على رفع العراقيل الإدارية التي طالما كانت السبب الرئيسي في عرقلة المنظومة الاستثمارية والاقتصادية ككل.
كما تضمن مشروعه الاقتصادي في إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية لخدمة المصالح الاقتصادية والتنموية الحيوية للبلاد، والذي تعزز باستحداث وكالة التعاون والتنمية التي “ستمكن من تحسين ظروف ولوج المتعاملين الجزائريين إلى الأسواق الدولية، وخاصة الإفريقية، وجلب الاستثمارات الأجنبية والترويج للسوق الجزائرية”.
بالإضافة الى تنفيذ خطة سريعة لإنعاش الاقتصاد الوطني وفق رزنامة زمنية تمتدّ على المدى القصير (نهاية سنة 2021)، والمدى المتوسط بنهاية سنة 2024. ترتكز على تشجيع المنتوج المحلي وحمايته مع ضمان توفير مناخ استثماري جذاب خاصة لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لاسيما الحاضنات وتثمين القدرات البشرية الـمبدعة والـمبتكرة بما في ذلك المتواجدة بالخارج. كما عمل على مراجعة قاعدة 51/49 وإلغاء حق الشفعة واستبدالها بالترخيص المسبق من الحكومة، مع إلغاء إلزامية اللجوء إلى التمويل المحلي بالنسبة للاستثمارات الأجنبية وإلغاء النظام التفضيلي لاستيراد مجموعات SKD / CKD.
ولتعزيز المنظومة الإدارية حماية للاقتصاد الوطني أمر الرئيس برقمنة الإدارة الضريبية، مما سيسمح بمكافحة الاحتيال الضريبي بشكل فعال. ومعالجة مسألة العقار الصناعي التي ظلّت تشكل أحد أهم القيود التي يوجهها المستثمرون، بهدف ترشيد الانتشار الإقليمي للتنمية الصناعية واستغلال العقار الاقتصادي.
وبناء على هذه الإصلاحات المستعجلة والفعالة، تمكنت الجزائر من تحقيق نهضة اقتصادية على الرغم من التحديات والصعوبات التي واجهتها الجزائر جراء ما يحصل من تغيرات اقتصادية وسياسية في النظام الدولي.
فالرئيس أكد بتاريخ الخامس من أوت 2023، على أنّ ما حققّته الجزائر اقتصادياً، يشكّل معجزة بكل المقاييس، وأبرز رئيس الجمهورية أنّ ما حققته الجزائر في أعوام قليلة، تجاوز ما جسّدته دول برمتّها في أربعين سنة.
كما أوضح بأن الدولة عازمة على احداث نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني ليصبح اقتصاد عصري يستجيب لمتطلبات ولحاجيات المواطنين ويعزّز استقلال الجزائر، مسجّلاً أنّ مجلس ضبط الواردات سيعنى بالتحكم في الواردات قياساً بالإنتاج الوطني، على نحو يضمن الحفاظ على استقلالية الوطن وتجنب اللجوء إلى البنك الدولي، كاشفاً عن استعداد السلطات لمنح قروض تصل التسعين بالمائة من قيمة الاستثمارات المنتجة.
وبالنظر الى الأثر الإيجابي لهذه الإصلاحات فان النتائج المحققة بالأرقام تعكس نجاعة خطة الإنعاش، فالمؤشرات الاقتصادية المحققة تثبت ذلك وهي على النحو التالي:
صعود احتياطي الصرف الأجنبي: ارتفعت احتياطات الصرف الأجنبي للجزائر إلى 73 مليار دولار بنهاية عام 2023، صعوداً من 61 ملياراً في ديسمبر 2022، ثمّ 66 مليار دولار في مارس 2023، ومن المترقب أن يصل إلى حدود 72,95 مليار دولار أمريكي باستثناء الذهب خلال سنة 2025.
الناتج المحلي الإجمالي للجزائر: وصل النتاج المحلي الإجمالي الى 224 مليار دولار سنة 2023، وأتى ذلك مدفوعاً بتسارع النمو خارج المحروقات بـ 4.9 بالمائة سنة 2023، مقابل 4.3 بالمائة سنة 2022. كما قدر الصندوق الدولي الناتج الداخلي الخام الجزائري هذا العام بنحو 266.78 مليار دولار، متوقعًا نسبة نمو بحوالي 3.8% خلال 2024.
وفي حوار الدوري مع وسائل الاعلام رجح الرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أن الناتج المحلي الإجمالي سيبلغ 400 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2026، مع نسبة نموّ فوق 4% على الأقلّ.
المنظومة الاستثمارية في الجزائر …فرص وافاق واعدة
المنظومة الاستثمارية في الجزائر أصبحت متصلة اليوم بشكل أساسي بالوكالة الوطنية الجزائرية لترقية الاستثمار، من خلال الدور الذي تلعبه والمتمثل في منح كل التسهيلات للمستثمرين سواء المحليين والأجانب على حد سواء، في سبيل تطوير وترقية الاستثمارات والنهوض بالاقتصاد الوطني.
فقد سجلت الوكالة، حسب تصريحات مديرها السيد عمر ركاش لـ وأج شهر أوت الماضي، 8.465 مشروع استثماري مصرح به عبر الوطن بقيمة مالية تقارب 3.840 مليار دج.
كما أكد ذات المسؤول أن ” الأرقام المحققة هي مؤشر جد مهم بالنسبة للاقتصاد الوطني، خاصة وأن عدد المشاريع التي تخص متعاملين أجانب التي سجلتها الوكالة خلال نفس الفترة بلغ 154 مشروعا منها 55 استثمارا أجنبيا مباشر و99 مشروعا آخرا في إطار الشراكة”.
وهي في الحقيقة مؤشرات إيجابية على تغير مناخ الاستثمار في الجزائر بشكل الصحيح والفعال، والمتتبع لشأن الاقتصادي يدرك جيدا معنى هذه الأرقام، التي تعكس رغبة الجزائر في فتح الأبواب للمستثمرين سواء المحليين وحتى الأجانب من اجل الاستثمار في البلاد.
وبالعودة الى دور هذه الوكالة فأنها تعطي فرص كبيرة للمستثمرين من خلال استغلال الامتيازات الممنوحة والتي تساهم في رفع الاقتصاد الوطني بشكل كبير وتخدم أيضا الأهداف الاقتصادية الكبرى التي حددتها السلطات العليا للبلاد.
فحسب عمر ركاش،” الوكالة مستعدة لمرافقة جميع المستثمرين وذلك من خلال توفير كل الشروط اللازمة لتمكينهم من تجسيد مشاريعهم”.
المؤسسات المالية الدولية تشيد بالانتعاش الاقتصادي وبمنظومة الاستثمار بالجزائر
ان الأرقام المحققة اليوم في الاقتصاد الوطني، ليست مجرد أرقام وفقط بل هي إنجازات ومعجزات تم تحققيها بفضل القيادة العليا للبلاد، والتي رفعت التحدي وحققت مكاسب اقتصادية أصبح يشاد بها من قبل اهم المؤسسات المالية دولية.
فقد أشاد الصندوق الدولي والبنك الدولي بالقفزة النوعية للاقتصاد الوطني وبتطور الذي عرفته منظومة الاستثمار بالجزائر.
حيث وضع الصندوق النقد الدولي، الجزائر من بين أهم اقتصاديات القارة الافريقية من خلال تقرير مفصل عن الاقتصاد الجزائري، والذي اعتبره من بين أهم اقتصادات أفريقيا سنة 2024.
وبالأرقام وضع التقرير الجزائر في المرتبة الثالثة، بعد جنوب أفريقيا ومصر، متجاوزة نيجيريا التي جاءت هذه المرة بالمرتبة الرابعة.
وبالنظر الى مختلف التحديات والصعوبات التي مرت بها الجزائر، نجد بأن هذه المرتبة المحققة هي جد مهمة، ومن المرتقب أن ترقى الجزائر الى مراتب جد متقدمة في السنين القادمة، وتحقق مزيدا من الأرقام الإيجابية على الصعيد الاقتصاد الإقليمي والدولي وتكسب رهانها الاقتصادي.
فقد أكد بهذا الخصوص الخبير الاقتصادي أحمد حيدوسي لدى نزوله ضيفا يوم الاثنين، بالإذاعة الوطنية، على أن هذه التقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي جاءت مطابقة تمامًا للأرقام المعلنة مسبقًا، من قبل السلطات العمومية في الجزائر، وعلى رأسها البنك المركزي الجزائري، حيث أبرزت توجه الحكومة لتعزيز الصادرات خارج إطار المحروقات لمعادلة الميزان التجاري خلال سنة 2025، بما يسمح باستعادة بعض التوازن بين الصادرات والواردات.
وأشار حيدوسي الى أن التقرير الصادر عن الصندوق النقد الدولي، ذكر أن نسبة مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الخام تشهد تحسنًا مقارنة بالسنوات الماضية، وتقدر هذه النسبة حاليًا بـ 4.0 بالمائة، لكن السلطات العمومية تراهن على رفع هذه النسبة إلى أكثر من 12 بالمائة في غضون سنة 2030″.
كما أوضح قائلا ” بان هذه الأرقام تعد مؤشرًا إيجابيًا، إذ يبرز الديناميكية التي يشهدها الاقتصاد الوطني، الذي ما فتئ يحقق نموًا متراكمًا للسنة الرابعة على التوالي، وذلك بفضل مشاريع الاستثمار المسجلة لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار”.
وفيما يخص الأرقام المتعلقة بالميزان التجاري، أكد حيدوسي بإن السياسة التي تنتهجها الحكومة الجزائرية لضبط الواردات بدأت تعطي ثمارها، مما انعكس إيجابيًا على الميزان التجاري وتصنيف المؤشرات الاقتصادية الكلية ضمن الخانة الخضراء، وهو ما يتطلب المضي قدمًا في هذا الاتجاه بنفس الحركية والديناميكية”.
وبالنظر الى ما تصبو اليه الجزائر، نجد بأن الدولة تعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال الاعتماد على الإنتاج المحلي وتصريف الفائض الى الدول الافريقية واكتساح السوق الافريقية التي تعتبر سوق واعدة بالنسبة للمنتجات الجزائرية التي أصبحت تلقى رواج كبيرا حتى في الأسواق الدولية، وبالتالي هذا الرهان يرتكز على التحسين المستمر للمنظومة الاستثمارية والتي هي بدورها لاقت اشادة كبيرة من قبل مؤسسة البنك الدولي.
فقد أشاد السيد محمد نادر، مسؤول بالبنك الدولي، عقب لقائه الأخير بمدير الوكالة عمر ركاش بالتطور الذي عرفته منظومة الاستثمار بالجزائر، بفضل الإصلاحات المباشرة من قبل الدولة.
وبدوره نوه عمر ركاش، بالدور الكبير الذي تلعبه الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار في استقطاب الاستثمارات الكبرى ومرافقة حاملي المشاريع المحليين والأجانب. مشيرا الى أن رغم حداثة نشأتها، لكن استطاعت أن تكون ركيزة فعالة في استقطاب استثمارات كبرى مهمة وخلق مناصب عمل ودعم التنمية الاقتصادية للبلاد.
كما أكد نادر على استعداد البنك “للقيام بكل الترتيبات اللازمة من أجل إبراز التحسينات التي طرأت على مناخ الاستثمار في الجزائر واستقطاب الاستثمارات الأجنبية من خلال نظام التقييم الجديد.
بقلم: مهدي الباز
رابط دائم: https://mosta.cc/shv04