ما هو الأمن الغذائي ؟
ﻳﻌﻨﻲ ﻣﻔﻬﻮم اﻷﻣﻦ اﻟﻐﺬاﺋﻲ، ﺣﺴﺐ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻷﻏﺬﻳﺔ واﻟﺰراﻋﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ( اﻟﻔﺎو) “ﺗﻮﻓﻴﺮ اﻟﻐﺬاء ﻟﺠﻤﻴﻊ أﻓﺮاد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺎﻟﻜﻤﻴﺔ واﻟﻨﻮﻋﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺘﻴﻦ ﻟﻠﻮﻓﺎء ﺑﺎﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺗﻬﻢ ﺑﺼﻮرة ﻣﺴﺘﻤﺮة ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻴﺎة ﺻﺤﻴﺔ وﻧﺸﻄﺔ “.
ويمكن القول بأنّ الأمن الغذائي قد تحققّ فعلاً عندما يكون الفرد لا يخشى الجوع أو أنه لا يتعرض له، ويستخدم كمعيار لمنع حدوث نقص في الغذاء مستقبلاً أو انقطاعه إثر عدّة عوامل تعتبر خطيرة ومنها الجفاف والحروب، وغيرها من المشاكل التي تقف عائقاً في وجه توفّر الأمن الغذائي.
ينشطر الأمن الغذائي إلى مستويين رئيسيّين وهما المطلق والنسبي، فيعرف المطلق بأنه قيام الدولة الواحدة بإنتاج الغذاء داخلها بمستوى يتساوى مع الطلب المحلي ومعدلاته أو قد يفوقها أحياناً، ويمكن اعتباره غالباً بأنّه يحقق مفهوم الاكتفاء الذاتي الكامل، أما الأمن الغذائي النسبي فإنه يشير إلى مدى قدرة الدولة على إنتاج وإيجاد ما يحتاجه الشعب أو الأفراد من سلع وغذاء بشكل كلي أو جزئي.
بالخلاصة، نتوصل إلى أن مفهوم الأمن الغذائي يُشير إلى ضرورة توفير ما يحتاجه الأفراد من مواد لازمة من منتجات غذائية، وقد يكون هذا التوفير يعتمد على التعاون مع الأقطار الأخرى أو بالاعتماد على الذات فقط، ويعتمد هذا المصطلح على ثلاثة مرتكزات وهي توفر السلع بشكل مستمر بأسعار مناسبة للمستهلك.
شهد العالم في الآونة الأخيرة تدهوراً في الأمن الغذائي؛ إذ يعاني ما يفوق 950 مليون فرد من الجوع حول العالم، وما زاد الأمر صعوبة هو عدم القدرة على رفع مستوى الاستغلال للأراضي والتغير المناخي بالإضافة إلى ندرة المياه، ومن الجدير ذكره فإنّ الأمريكان كانوا قد استهلكوا من الحبوب كميات تفوق نسبة الإنتاج لديهم، وكان ذلك في الفترة ما بين عامي 2010-2011م.
ولفهم أعمق لمفهوم الأمن الغذائي، وجب دراسة مختلف الأبعاد التي يشتمل عليها، وهي التوفّر (Availability): ويشير مفهوم هذا البعد إلى ضرورة توفّر الغذاء بكميّات تكفي لعدد الأفراد وأن يكون ذلك من ضمن المخزون الاستراتيجي. مأمونية الغذاء ( بالإنجليزية:Food Safety): وهي ضمان صحة الغذاء وسلامته وصلاحيته للاستهلاك البشري. إمكانية الحصول عليه (بالإنجليزية:Food Accessibility): هو أن تكون أسعار السلع والمنتجات ضمن متناول يد الأفراد، أو إمكانية تقديمه للأفراد على شكل معونة للطبقات الأكثر فقراً. الاستقرار (بالإنجليزية:Stability): ويركّز هذا البعد على ضرورة الحفاظ على أوضاع الغذاء، وضرورة توفّر الأبعاد الثلاثة السابقة مع بعضها البعض دون أن يحدث عليها أي تغيير.
ولكن تحقيق الأمن الغذائي للأمم يواجه عادة عراقيل ومثبطات من بينها المعاناة من أزمة المياه العالمية. عدم الاهتمام بالأراضي وإهمالها تماماً. تقلّبات المناخ وتغيّره. إصابة النباتات بالأمراض وعدم مكافحتها. تفشي الفساد والظلم بين أفراد المجتمع. التضخم السكاني الكبير.
ما قبل الحراك.. التضحية بالأمن الغذائي للمواطن في سبيل بضع دولارات
وبالعودة للجزائر، فإن أمنها الغذائي خلال سنوات مضت كان رهينة الخارج، إذ منحت الأولوية للإستيراد من دول أخرى، تحت تبرير تحريك سوق العملة الصعبة، ما أدى لرهن قوت الجزائريين بالتقلبات الدولية، ومسّ بالسيادة الوطنية في عديد المناسبات، إذ أصبحت دول ومنظمات دولية تملي على الدولة الجزائرية كيفية التعامل مع الجبهة الإجتماعية، ما زاد الإحتقان الشعبي وأوصل لقطيعة شعبية كلية مع المتحكمين حينها في رقاب المواطنين.
إذ حذرت دراسة سنة 2016 بشأن الأمن الغذائي في الجزائر من مخاطر استمرار البلاد باللجوء للأسواق العالمية لتلبية احتياجاتها الغذائية، مبينة أن هذا الأمر يعيق تطور الصناعات الغذائية التي تعاني من التبعية للمواد الأولية المستوردة من الخارج.
وأشارت الدراسة جينها إلى وجود الكثير من العوامل التي تهدد الأمن الغذائي للجزائريين، وربطت الأمر بوجود اختلال كبير بين العرض والطلب في مجال المنتجات الزراعية.
ورصدت الدراسة عدة أسباب وراء هذا الاختلال، من بينها النمو الديمغرافي، إذ ارتفع عدد سكان الجزائر بنسبة 20% بين عامي 2000 و2010. وأدت حركة التعمير وظاهرة التوجه نحو المدن -التي ارتفعت نسبتها من 58.3% إلى 66.3% خلال الفترة نفسها- إلى حدوث تغييرات في المجتمع الجزائري.
وصاحب هذه التطورات تغير في السلوك الاستهلاكي مع تحسن في شبكة الأجور، بحيث تضاعفت النفقات الغذائية أثناء الفترة المذكورة بأكثر من 270%، بحسب الدراسة.
وفي مقابل ارتفاع معدلات الاستهلاك الغذائي هناك محدودية في العرض المحلي، خاصة في القطاع الفلاحي الذي كان حينها يعتمد على الاستيراد، سواء بالنسبة للمحاصيل أو البذور، مما يفسر -حسب الدراسة- الارتفاع الكبير لفاتورة الواردات الغذائية التي وصلت إلى نحو 9.3 مليارات دولار عام 2014.
وهذا نتيجة خنق الإستثمارات المحلية، لأجل شركات الإستيراد، كل ذلك بهدف تقاسم الغنيمة معهم.
وأكد خبراء حينها أن “تحقيق الأمن الغذائي مرهون بثلاثة عوامل أساسية تتعلق بالمناخ وبالعامل البشري وبالسياسات الحكومية”.
مؤكدين أنه على الحكومة تغيير سياساتها تجاه ملف العقار الفلاحي، وطرق منح التمويلات المالية للفلاحين، مع ضرورة إعداد دراسات استشرافية للوصول إلى الأهداف الزراعية المسطرة.
ولكن، ومنذ الحراك الشعبي المبارك، ووصول رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم، سارع إلى تبني سياسة إقتصادية جديدة، أساسها المنتوج المحلي وأولوية المحلي على المستورد.
عامين على إننتخابات 12/12.. إقتصاد بروح جديدة لضمان الأمن الغذائي للمواطنين
السياسة الجديدة للرئيس تبون، كرستها، مطلع الأسبوع المنصرم، اوامر الرئيس تبون، خلال ترأسه لإجتماع مجلس الوزراء بـ “منع تصدير كلّ ما تستورده الجزائر، من منتجات استهلاكية، كالسكر والعجائن والزيت والسميد، وكلّ مشتقات القمح”.
وعليه، كلّف الرئيس وزيرَ العدل بإعداد، مشروع قانون، يُجرّم تصدير المواد، غير المُنتَجة محليا، باعتباره عملا تخريبيا، للاقتصاد الوطني.
بالإضافة إلى ذلك، أمر الرئيس بمواصلة منع استيراد اللحوم المجمدة منعا باتّا، وتشجيع استهلاك اللحوم المنتجة محليا.
كما أمر بتشجيع الفلاحين المموِّنين للمخزون الاستراتيجي للدولة، من القمح الصلب واللين، والحبوب الجافة، بتحفيزات متنوعة، منها الدعم بالقروض والأسمدة ومزايا أخرى.
بالإضافة إلى الأمر بـ” إعادة توحيد فروع الشركة الوطنية الجزائرية للملاحة (CNAN) باعتبارها رمزا للسيادة الوطنية، وتوجيهها لتعزيز الأسطول البحري الوطني، باقتناء بواخر جديدة، للنقل التجاري”.
ومن جهته، رحب الدكتور و الخبير الاقتصادي أحمد سواهلية بقرارات رئيس الجمهورية المتخدة خلال اجتماع مجلس الوزراء فيما يتعلق بحماية المنتجات الغذائية ذات الاستهلاك الواسع بهدف التخفيف من آثار الإرتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق الدولية.
وقال سواهلية خلال تصريح صحفي إن الظرف الدولي يتطلب استراتيجية ردعية ضد الاطراف او كل شخص يعمل على تهريب السلع الاستراتيجية عبر الحدود وخصوصا تلك المستوردة مثل القمح والزيت والسكر.
ولاحظ المتحدث بأن حماية السوق الوطنية وضمان وفرة المواد الغذائية والمنتوجات الفلاحية تعد أولوية الأولويات خصوصا وأننا على أبواب شهر رمضان. وشدد الخبير الاقتصادي على أهمية التنسيق المحكم بين وزارتي الفلاحة و التجارة في هذه المرحلة التي تتسم بشح المواد الغذائية وهي ظاهرة طالت أيضا الدول المتقدمة مما يتعين بلورة استراتيجية ردعية لكل من يريد المساس بقوت الجزائريين.
واعتبر المتدخل إجراءات الدعم المقدة لفائدة المتعاملين في قطاع الفلاحة جيدة ومحفزة ومنتجة وتجلى ذلك بتمكن قطاع الفلاحة من تحقيق رقم أعمال قدر 25 مليار دولار إبان فترة الكوفيد .
و ضمن هذا السياق ، نبه إلى ضرورة العمل على بلورة استراتيجية وطنية طويلة المدى لتحقيق الأمن الغذائي في الجزائر و خصوصا مادة القمح الاستراتيجية و التي تغطي اليوم حاجيات البلاد لأكثر من 06 اشهر .
واقترح في هذا الاطار ضرورة الإسراع في إيجاد الحلول للجفاف و تأطير القطاع و عصرنته وتقديم مزيد من الدعم والتحفيزات للفلاحين والمنتجين لمادة القمح باعتبارها تدخل في إطار حماية السيادة الوطنية .
برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة.. الجزائر الأولة أفريقيا في الأمن الغذائي
حققت الجزائر المرتبة الأولى إفريقيا في مجال الأمن الغذائي في آخر تصنيف لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، وقد وضعها هذا الإنجاز في “الخانة الزرقاء” في نفس المستوى مع أقوى دول العالم.
ووصف خبراء هذا بأنه “إنجاز”، مرجعين ذلك إلى دور الزراعة في دعم اقتصاد البلاد الباحث في الفترة الأخيرة، في إطار البحث عن فرص جديدة لتنويع مداخيل الدولة.
وصنف التقرير الجزائر ضمن البلدان المستقرة غذائيا، واضعا البلاد ضمن فئة البلدان التي تقل فيها نسبة الأشخاص الذي يعانون من سوء التغذية عن 2.5 في المئة بالمائة من العدد الإجمالي للسكان، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 2018-2020.
وبالتالي فإن الجزائر مصنفة في نفس فئة غالبية البلدان الأوروبية والولايات المتحدة وكندا والصين وروسيا والبرازيل وأستراليا وغيرها، كما ذكرت وثيقة الهيئة الأممية أن أكثر من 811 مليون شخص يعانون من سوء التغذية، أي 1 من 10 من سكان العالم.
وفي أول تعليق رسمي على التصنيف، قال وزير الفلاحة الجزائري، عبد الحميد حمداني إن تصنيف منظمة الغذاء العالمية للجزائر في الخانة الزرقاء “يجعلها في نفس المستوى مع الدول الأوروبية ودول أميركا”.
وأضاف الوزير المسؤول الأول على قطاع الزراعة أن هذا التصنيف “يعد مفخرة للجزائر واعتزازا للفلاحين والمنتجين والموالين المحليين”.
ويرى خبراء في الاقتصاد والزراعة أن هناك عدة اعتبارات وراء هذا التصنيف الإيجابي للجزائر في خطوة سد الفجوة الغذائية، بالنظر إلى الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة للبلاد، إضافة إلى التحول نحو الاهتمام بالزراعة والصناعات الغذائية في إطار الخروج من هيمنة المحروقات على الصادرات.
وقد علق خبراء على هذا التقرير الأممي الذي وضع الجزائر على رأس القائمة إفريقيا بخصوص الاستقرار الغذائي بأنه “تصنيف مهم”، وفي هذا السياق يرى أستاذ الاقتصاد بالجامعة الجزائرية، الدكتور أحمد سواهلية أن مقومات الأمن الغذائي “متوفرة في الجزائر”.
وأضاف سواهلية في اتصال مع موقع “سكاي نيوز عربية” أن “الجزائر تملك مساحات زراعية شاسعة، خاصة أن استغلالها في السنوات الأخيرة بدأ يؤتي بثماره”، مؤكدا أن هذا التصنيف “أثبت أن الجزائر قامت باستغلال أمثل لمقوماتها الزراعية مع أنه لا يزال أمامها خطوات أخرى”.
في حين أشار المتحدث إلى أن الأمن الغذائي يتطلب استراتيجيات متعددة، من الإنتاج إلى التخزين وهذا كله يندرج ضمن خطة بعيدة المدى، مبرزا في الأخير أن “الجزائر تعيش استقرارا غذائيا في حين أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية متعلق بالنقد”.
من جانبه، أفاد الخبير في الشؤون الاقتصادية والمستشار السابق بالأمم المتحدة ورئاسة الجمهورية، مالك سراي في حديث مع “موقع سكاي نيوز عربية” بأن الإنتاج الزراعي بالجزائر “يعرف تقدما ملحوظا برقم يصل من 12 في المائة إلى 14 في المائة سنويا”.
وتابع المستشار الاقتصادي سراي أن “جزءا كبيرا من الاستهلاك والتغذية المحلية يأتي من الداخل في حين تبقى نسبة 20 في المائة من الصادرات التي تستقدم من الخارج”.
من جهة أخرى، أرجع المتحدث هذا الإنجاز إلى دور النشاط الزراعي الكبير الذي أصبحت تقوم به عدة محافظات جنوبية في إطار “الزراعة الصحراوية” كالوادي وأدرار وبسكرة في تغذية جزء كبير من الشعب الجزائري من خلال إنتاج وفير من الخضراوات وحتى الفواكه التي تحولت إلى التصدير نحو أسواق خارجية.
وحسب الخبير مالك سراي فإن “التسريع في وتيرة استصلاح الأراضي الزراعية من طرف المستثمرين سيجعل الجزائر بعد 4 سنوات في مرتبة متقدمة عالميا بخصوص الاكتفاء الغذائي الذاتي والتوجه نحو التصدير إلى الخارج”.
في غضون ذلك، اعتبر رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين الزراعيين، منيب أوبيري، أن احتلال الصدارة إفريقيا في الأمن الغذائي “يعد مفخرة للجزائر”، مرجعا ذلك إلى عدة عوامل مترابطة من الأمن الاجتماعي إلى الأمن البيئي والمائي.
وشدد منيب أوبيري في تصريح لـ”موقع سكاي نيوز عربية” على أن هذه المرتبة “تحققت بفضل الإنتاج الزراعي الوفير الذي لم يتوقف رغم جائحة كورونا، وهذا راجع إلى سواعد المزارعين إضافة إلى برامج الدعم الحكومية المختلفة سواء للمرأة الريفية وصغار الفلاحين”.
وأشار المتحدث إلى أن “الجزائر حققت للمرة الأولى بخصوص الإنتاج الفلاحي في الناتج الداخلي الخام للبلاد ما قيمته 24 مليار دولار وهذا الأمر راجع إلى استغلال كافة القدرات الزراعية للبلاد”.
رابط دائم: https://mosta.cc/nqg9u