تسعى الجزائر اليوم إلى إعادة بعث قطاعها الصناعي كأولوية استراتيجية لتحقيق السيادة الاقتصادية، من خلال رؤية وطنية تستند إلى الحوكمة الصناعية، خلق جيل جديد من الصناعيين، واعتماد نظم إنتاج حديثة تضمن رفع نسب الإدماج الصناعي وتحقيق قيمة مضافة حقيقية على المستوى المحلي.

في هذا الإطار، أوضح دميش محمد، نائب المدير العام للبورصة الجزائرية للمناولة والشراكة، أن تجارب الدول التي سبقت الجزائر في هذا المسار، مثل الصين وكوريا الجنوبية وفيتنام، أظهرت أن التحول الاقتصادي الناجح مرّ بثلاثة محاور رئيسية: الحوكمة الصناعية، جذب الاستثمار، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية.
ثلاثية التحول الصناعي: الحوكمة، الاستثمار، والموارد
أكد دميش أن الحوكمة الصناعية لا تقتصر على القوانين والتشريعات، بل تتطلب رؤية استشرافية مدعومة بأهداف قابلة للقياس، تبدأ بتوطين الإنتاج لتلبية الطلب المحلي، قبل الانتقال نحو التصدير.
كما شدد على أهمية جذب الاستثمارات الأجنبية لتوطين الصناعات داخل البلاد، مما يسهم في تقوية الاقتصاد المحلي وتنويع مصادر الدخل، إلى جانب استغلال الموارد الطبيعية بطرق صناعية تعزز القيمة المضافة، بدلاً من تصديرها كمواد خام.
رأس المال البشري والسياسات المالية الداعمة
التحول الصناعي، بحسب دميش، لا يمكن أن يتحقق دون رأس مال بشري مؤهل يواكب التحولات التكنولوجية ويشارك في إنتاج المعرفة. كما أشار إلى أن هذا المسار يحتاج إلى سياسات مالية متكاملة تضمن التمويل المناسب وتحفز الإنتاج الصناعي والتنافسية.
أهداف واضحة لتعزيز مساهمة الصناعة في الناتج المحلي
أوضح المتحدث أن الجزائر تعمل على رفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الخام إلى ما بين 13 و14%، بدلًا من حوالي 16 مليار دولار حاليًا، مع طموح لبلوغ 55 إلى 56 مليار دولار مستقبلاً. هذا التحول يمثل ركيزة أساسية في الخروج من التبعية للمحروقات وبناء اقتصاد متنوع ومستدام.
خريطة وطنية للصناعة وربط الإنتاج بالطلب
كشف دميش عن مشروع إعداد خريطة وطنية دقيقة للمقدرات الصناعية، تعتمد على الإحصاء والمعطيات الميدانية لتحديد ما يتم إنتاجه، من ينتجه، وبأي جودة وكمية. وتهدف هذه الخريطة إلى ربط العرض الصناعي المحلي بالطلب الوطني، خاصة في القطاعات ذات الأولوية كتركيب السيارات.
الصناعة الإلكترونية: أولوية استراتيجية وسيادية
وصف دميش الصناعة الإلكترونية بأنها قطاع استراتيجي عالي المردودية يجب إعادة تعريفه بدقة، مبرزًا أنها لا تقتصر على الأجهزة الكهرومنزلية، بل تمتد إلى كل ما يخص التكنولوجيا الحديثة.
كما أشار إلى الإنجاز المتمثل في تصميم رقائق إلكترونية بتكنولوجيا 65 نانومتر في مركز تنمية التكنولوجيا المتطورة، معتبراً ذلك خطوة نحو الاستقلال التكنولوجي وتعزيز موقع الجزائر في سلاسل القيمة العالمية.
التكوين المهني والمقاولاتية: إعداد الجيل الصناعي الجديد
أشاد دميش بمبادرات وزارة التكوين المهني، التي تشمل تنظيم أولمبياد مهني، إدخال البكالوريا المهنية، وإنشاء مجالس استشارية على مستوى الولايات. تهدف هذه الإجراءات إلى ربط التكوين المهني بحاجيات السوق وتحفيز روح المقاولاتية لدى الشباب، خاصة خريجي المعاهد التقنية.
مجلس أعلى للصناعة لرسم مستقبل صناعي واعد
اختتم دميش حديثه بالدعوة إلى إنشاء مجلس أعلى للصناعة، يكون منصة تشاورية تجمع وزارة الصناعة والمتعاملين الاقتصاديين والفاعلين في المجال، لوضع خريطة طريق واضحة وملزمة ترسم مستقبل الصناعة الجزائرية وتواكب التحديات العالمية
رابط دائم: https://mosta.cc/lnx1a