وفق رؤية جنوب-جنوب تمضي الجزائر نحو عمقها الإفريقي حاملة مشعل التكامل الاقتصادي و التنمية المستدامة و في قلب هذه الإستراتيجية الطموحة تواجه الجزائر بوصلتها نحو النيجر البلد الشقيق و بظبط بمدينة دوسو حيث تطلق مشروعًا طاقوي مستدام يتمثل في إنشاء مصفاة بترولية و مجمع بتروكيميائي
يأتي هذا التعاون في إطار إلتزام الجزائر بمرافقة النيجر لتحويل ثرواتها الطبيعية إلى فرص تنموية مستدامة حيث أكد وفد سوناطراك على أن دعم هذا المشروع يأتي تجسيدا للالتزام الذي أعلن عنه وزير الدولة وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، السيد محمد عرقاب، خلال زيارة وزير النفط النيجري في شهر سبتمبر الماضي، حيث تعهدت الجزائر بمرافقة النيجر في تنفيذ مشروع إنشاء المصفاة والمجمع البتروكيماوي.
كما أكد منسق مشروع مصفاة دوسو – النيجر “عبد الناصر شايبو إدريسا ” أن
هذا المشروع سيلبي الإحتياجات الوطنية و إحتياجات دول الساحل الإفريقي من مواد خام و غاز البترول المسال و أن المشروع ذو أهمية كبيرة بالنسبة لبلد النيجر حيث يتم العمل بكل طاقتهم لضمان تنفيذه .
وأعربت سوناطراك بالمناسبة عن فخرها بالمساهمة في هذا المشروع الاستراتيجي الذي يعكس رؤية الجزائر لتعزيز التعاون جنوب-جنوب ويؤكد مكانتها الرائدة في إفريقيا، وفق البيان الذي لفت إلى أنه تم خلال اللقاء تقديم خبرة سوناطراك لتعزيز قدرات الكوادر النيجيرية، حيث سيتم استقبال مجموعة من المهندسين والتقنيين النيجيريين في المصافي الجزائرية لتلقي تدريب متخصص يشرف عليه خبراء من المعهد الجزائري للبترول التابع لسوناطراك.
حيث أشار في هذا الصدد مدير تطوير المشاريع المصفاة و البتروكيمياء في مجمع سوناطراك” محمد بركة” أنه سيتم مرافقة المهندسين التقنيين لأشقاءنا في دولة النيجر في رسم خريطة طريق من أجل إنشاء مصفاة دوسو ذات القدرة الإنتاجية 30 ألف برميل يوميًا ما يعادل مليون ونصف مليون طن سنويًا وكذالك مرافقة إخواننا النيجرين في إنشاء مركب بتروكيميائي في مدينة دوسو .
و من جهة أخرى ستتكفل سوناطراك بتكوين مهندسين و تقنيين على مستوى المعهد الجزائري للبترول و سوف يستفدون من تكوين تطبيقي في كل من مصفاة أدرار و مصفاة أرزيو , و مدة التكوين ستكون حسب الإختصاصات
هذا المشروع و ما يمثله من رمزٍ لوحدة إفريقيا الجديدة توضف فيه الجزائر خبرتها العريقة في مجال الطاقة عبر شركة سونطراك لتكون في خدمة أشقائها ,
الفريق الجزائري الذي يزور النيجر لمدة أسبوع يضم كفاءات متميزة مهمتها وضع خطة عمل تفصيلية لهذا المشروع كبوابة للعبور إلى عصرٍ جديدٍ من السيادة الطاقوية و التمنية الاقتصادية للنيجر ولكل بلدان الساحل وفق ما أكده وزير النفط النيجري قائلا:” المشروع يشكل خطوة محورية نحو تحقيق السيادة الطاقوية وركيزة أساسية للتحول الاقتصادي للنيجر، إذ سيساهم في تلبية الاحتياجات الوطنية وخلق فرص العمل وكذا تعزيز المحتوى المحلي وجذب الاستثمارات “.
وفي نفس السياق أضاف وزير البترول لجمهورية النيجر “صحابى عومار”و أن الجزائر بفضل خبرتها المعترف بها في مجال المحروقات إلتزمت بإستقبال أربعين مهندسًا في مصافيها و سيتم حشد فريق من المعهد الجزائري للبترول لتطوير برنامج تدريبي عملي في هذه المرافقة ما يعزز القدرات الفنية و المهنئة لمهندسينا و بالتالي تعزيز التعاون , و تمتد هذه الشراكة لتشمل العنصر البشري وذالك بإستقبال 40 مهندسًا و تقنيًا نيجيريًا لتلقي تدريبًا عملي في مصاف النفط الجزائري ما يعكس روح التعاون الإفريقي
الفوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لإنجاز المشروع
أكد الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي في تصريح لـ جريدة ” المستثمر” أن الجزائر شهدت معاهد وطنية و مؤسسات إقتصادية مهمة جدا منذ الإستقلال تقريبا و هي تسير الإستثمارات المهمة , وعرفت اليوم تقريبا كل الآيادي العاملة الموجودة في الكثير من الدول المستثمرة في هذا المجال , فإن تسير الكفاءات الجزائرية للمجمعات و المصفات البترولية سيحقق أرباح بالنسبة للسلطات العمومية و بالنسبة للخزينة العمومية و يعطي حلول لإستقطاب العملة الصعبة من هذه الإستثمارات و الأنجازات خاصة بالنسبة لمصفاة البترولية التي تعطي حلول للمشتقات البترولية و التي يمكن أن تكون أسعارها جد مرتفعة في الأسواق العالمية و أيضا حلول لإستقطاب المال , الخبرة , المنافسة , الأيدي العاملة و أموال الخزينة العمومية , فاليوم تقريبا حوالي 70 % من مشتقات البترولية نستقطبها و نستوردها بأرقام كبيرة جدا مقارنة بالمادة الأولية المنتجة في الجزائر و التي تباع للموارد الطاقوية بأسعار زهيدة مقارنة بهذه المنتجات النهائية التي تعطي أكثر قوة للصادرات و التقليل من الواردات , حيث تقدم حلول للخزينة العمومية و حلول للإستثمارات بالنسبة للمرحلة القادمة و توسيع النشاط لهذه المشاريع , فحسب الخبير “اليوم إذا أردنا أن نكون أقوى الدول يجب أن نعتمد على هذه المشاريع المرتبطة بالمشتقات البترولية و المنتجات النهائية” . كما نحتاج الى التطوير اكثر بالنسبة للتخصصات و الولوج إلى تكنلوجيا متطورة من خلال نقل الخبرات الأجنبية إلى الجزائر و بعث البعثات الوطنية إلى الخارج و للدول التي تتحكم بهذه التكنلوجيا .
مساهمة المصفاة البترولية والمجمع البتروكيميائي في تعزيز الاقتصاد الوطني
نوه الخبير الاقتصادي أحمد الحيدوسي في تصريح حصري” للمستثمر” أن الجزائر تعول على رفع قدراتها في الاقتصاد الجزائري و على قطاعات إستراتيجية كصناعات البتروكيمياوية و الصناعات أخرى تمتلك فيها الجزائر ميزة تنافسية , لذالك سطرت في السنوات الماضية إستراتيجية محكمة من أجل رفع قدرات هذه القطاعات
كما وضعت شركة سوناطراك إستراتيجية تمتد إلى غاية 2028 بتخصيص أكثر من 50 مليار دولار من أجل رفع قدرات المؤسسة و تثمين الموارد الطاقوية و الذي له أثر كبير على الإقتصاد الوطني بحكم أن هناك فرق شاسع بين قيمة المادة الخام و القيمة كمنتوج نهائي كما قامت سونطراك مؤخرا بتحقيق براعة إختراع مهمة مكنها من تحسين أداء نشاطها الداخلي و التطلع إلى تدوير نشاطها إلى الخارج و البحث عن وجهات أخرى على غرار ليبيا و دول الساحل و أمريكا من أجل رفع قدراتها و ترتيبها العالمي و تحسين مداخيلها و تحسين تصنيفها على المستوى العالمي و كذالك تحسين مداخيل الدولة بحكم أن قطاع المحروقات مزال مهم و سيبقى مهم كمورد للخزينة العمومية
وفي نفس السياق أضاف المتحدث أن المشروع موجود في الخارج و بالتالي المداخيل تأتي من الخارج فاؤشرات الإقتصاد الكلي المتعلقة بالتجارة الخارجية يكون في الخانة الخضراء و إيجابي و خاصةً أن هذه المادة لها أثر كبير على الإقتصاد الجزائري وكذالك قيمتها مرتفعة في السوق الدولية
و أشار الخبير إلى التكنولوجيات التي تستعمل في الجزائر تعد من أحدث التكنلوجيات المتواجدة على مستوى العالم على غرار ما تقوم به كبرى الشركات العالمية فعند التحدث عن البتروكيماويات تتماثل معايير المطبقة في تكرير البترول في الجزائر وفق المعايير الأوروبية المعتمدة وذات الجودة العالية .
كما أن نجاح هذا المشروع في النيجر سيفتح الشهية لمشاريع أخرى يمكن أن تجيدها شركة سوناطراك في الخارج خاصةً و انها تعول على تدوير نشاطها خارج الوطن و البحث عن أسواق جديدة للإستثمار فيها
تقليل المشروع من الاعتماد على الواردات وتقوية الميزان التجاري للبلاد
أشاد باحث في العلاقات الدولية والاقتصادية فريد بن يحيى في تصريح “للمستثمر ” أن المشروع النجيري يعتبر من أهم المشاريع في القارة السمراء فهو المشروع القم بالنسبة للنيجر و الجزائر و يدخل في إطار الأمن الطاقوي الأوروبي لأن هذه الأخيرة تحتاج إلى الطاقة من الغاز الكبير جدًا و الآن نرى أن الحرب الروسية الأوكرانية من أثارها السلبية نقص القدرات الأوروبية على جلب الغاز أو إستراد بدون أخرى , لذالك الجزائر قامت بكل الإستثمارات و بتهيئة كل الظروف الملائمة لإنطلاق المشروع و تبقى الشطر في نجيريا , وهذا الأمر سوف يصدر نحو 10 مليار متر مكعب من نجيريا و ربما تصل حتى 30 مليار حسب الإحتياطات في نجيريا وحسب خبراء النفط .
و أضاف فريد بن يحيى أن المشروع سيعزز الإقتصاد الوطني للبلاد خاصة من ناحية مروره على الصحراء كلها فإن الجزائر تأخذ نسبة معينة حسب الشراكة الموجودة بين الجزائر و النيجر بحيث ستكون شراكة إستراتيجية طويلة المدى 25 سنة على الأقل و الجزائر سوف تستفيد من هذا الغاز الطبيعي حيث ستعمل على مشاريع أخرى بالنسبة للمصفاة و المنشآت البتروكيماوية بكون الجزائر تمتلك خبرة كبيرة 70 سنة في البترول و الغاز .
لما تكون لدينا صناعة بتروكيماوية هذا سيساهم في التقليص من الواردات و الرفع من الصادرات حتى و إن لم تكن هذه الأخيرة فسوف يكون هناك إكتفاء ذاتي لكثير من المواد الكيميائية فهذه المشاريع سوف تساهم كثيرا في خلق ثروة و خلق قيمة مضافة إلى الإقتصاد الجزائري , فلما نكون نصدر أقلية من المواد الأولية و نحول أكثر سوف يكون الربح بطبيعة الحال أكبر , حيث يتطلب هذا أمور هندسية و تكنولوجية ولبد للجزائر أن تمشي في هذا الطريق .
بقلم : كاتية موهوني
رابط دائم: https://mosta.cc/0z523