تعمل مصالح قطاع الري في الجزائر على دعم القطاع الفلاحي بشكل متواصل لتحقيق هدف الدولة المتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الزراعي. يأتي هذا في ظل تزايد ظاهرة الجفاف وانخفاض نسبة التساقطات المطرية، حيث تشير إحصائيات وزارة الموارد المائية إلى أن نسب التساقط تراوحت بين 40 و50% من المعدلات السنوية خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في الوسط والغرب.
تشير التوقعات، بناءً على إحصائيات النمو السكاني والهجرة من الريف إلى المدن، إلى أن الطلب الإجمالي على المياه في مختلف القطاعات قد يبلغ 18.9 مليار متر مكعب بحلول عام 2030. وفي هذا السياق، أكد وزير الري، طه دربال، أن القطاع يساهم بأكثر من 70% من المياه المستخدمة في الري الزراعي، مع التركيز على بناء السدود لتعزيز قدرات التخزين، كلما توفرت الشروط التقنية والمالية لذلك.
خارطة وطنية لاستغلال الثروات المائية
أوضح الدكتور الهواري تيغرسي، خبير اقتصادي، أن السلطات وضعت خطة استراتيجية لإنشاء أكثر من 30 محطة لتحلية مياه البحر لتلبية احتياجات السكان، مع إمكانية استغلالها لاحقًا في الزراعة. تُقدر الطاقة الاستيعابية لكل محطة بـ300 ألف متر مكعب، تغطي ثلاث إلى أربع ولايات، مع تركيز على الإنتاج المحلي الكامل للعمالة والخبرات.
كما شدد تيغرسي على أهمية استرجاع المياه المستعملة وربط السدود لتحسين استغلال الموارد المائية، مشيرًا إلى أن الزراعة تساهم بنحو 37 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة 15%، وتشغل عددًا كبيرًا من اليد العاملة. واقترح تعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة في الري لتقليص الكميات المستخدمة، خاصة في المناطق الجافة مثل الهضاب العليا، إضافةً إلى تحسين التكامل بين قطاعي الري والزراعة.
التحديات المستقبلية والحلول
نوه الخبير الاقتصادي جلول سلامة بأهمية مشروعات استرجاع المياه المستعملة ومحطات تحلية مياه البحر، مشيرًا إلى إمكانية تصدير هذه المحطات إلى دول إفريقية في المستقبل. كما دعا إلى تسهيل منح رخص حفر الآبار الارتوازية، والاعتماد على تقنيات الري الحديثة، واستغلال الموارد المحلية مثل مادة زلط الطين لمعالجة المياه.
وأشار سلامة أيضًا إلى ضرورة تطوير تقنيات لنقل المياه الجوفية من الجنوب إلى المناطق الشمالية الجافة، بالإضافة إلى التعاون مع دول الجوار في مشروعات إقليمية مثل تحويل مياه بحيرة النيجر إلى الجزائر مقابل توفير الكهرباء لدولة النيجر.
تكامل قطاعي الري والفلاحة
أشاد الخبير الفلاحي لعلي بوخالفة بالتنسيق الكبير بين وزارتي الري والفلاحة لتحقيق أهداف مشتركة. وأكد أن الحكومة تسعى لتلبية 60% من احتياجات المواطنين من المياه الصالحة للشرب عبر محطات التحلية، بالإضافة إلى زيادة عدد محطات معالجة المياه المستعملة لاستخدامها في الزراعة والصناعة.
كما أشاد بوخالفة بنجاح مشاريع ربط السدود الوطنية، مثل سد بني هارون بميلة الذي يرتبط بعدة سدود أخرى، مشيرًا إلى أن هذه الجهود تدعم الأمن المائي والزراعي. وشدد على أهمية تطوير الزراعة المائية والاعتماد على تقنيات حديثة مثل الري الذكي لتقليل الفاقد من المياه بنسبة تصل إلى 50%.
تشير جهود وزارة الري، تحت توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى تبني استراتيجيات ري حديثة ومشاريع لتحسين البنية التحتية، ما يعزز الأمن الغذائي ويساهم في التنمية المستدامة. ورغم التحديات البيئية والجيوسياسية، يبقى تحقيق الأمن المائي والغذائي في الجزائر هدفًا أساسيًا يتطلب تكاتف جميع الجهود وتسريع وتيرة التنفيذ.
رابط دائم: https://mosta.cc/5ki4h